فمن الملف النووي الإيراني، مرورا بالأزمة الروسية-الأطلسية بسبب أوكرانيا، وصولا إلى أزمة اشتداد الصراع الأمريكي-الصيني، والتغيرات الخطرة لمُناخ الأرض.. كلها ملفات صعبة تهدد أمن العالم واستقراره ومستقبله، ما لم تنتصر الحكمة والعقل والحوار والتعاون على لغة الحرب والتصعيد بين الأطراف المتصارعة.
وإذا كان الملف الأفغاني شكّل الحدث الأبرز في عام 2021 بسبب الانسحاب الأمريكي الدراماتيكي من هذا البلد، فإن الملف النووي الإيراني يُرخي بظلاله القاتمة على أمن الشرق الأوسط والخليج العربي والمنطقة عموما، إذ إن تعنُّت إيران -في ظل تباعد مواقفها عن مواقف الأطراف المعنية بهذا الملف- يضع الخيار العسكري على الطاولة، خاصة أن إسرائيل باتت تتحدث علنا عن هذا الخيار، وتستعد له على قدمٍ وساق، ربما في انتظار لحظة انهيار مفاوضات فيينا على وقع تمسك إيران بتخصيب اليورانيوم بدرجات عالية، ووصولها إلى عتبة “الدولة النووية”، وهو ما لا يترك المجال لنهايات وردية في محادثات فيينا، فيما يُطل سيناريو الجحيم برأسه في اللحظة التي تخرج فيها قعقعة السلاح من المستودعات والكواليس.
بموازاة أزمة الملف النووي الإيراني، يشهد النزاع الأطلسي-الروسي على أوكرانيا فصلا ساخنا يوحي بإمكانية اندلاع حرب بين الجانبين، خاصة إذا صدقت التوقعات الغربية بغزو روسي لأوكرانيا بعد أن حشدت موسكو عشرات الآلاف من جنودها على حدود أوكرانيا.
فروسيا، التي ترى أن الصواريخ الأطلسية باتت على حدودها، ترفض تماما السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى عضوية الحلف الأطلسي، إذ تعتقد أن هذا الانضمام سيشكّل إيذانا بدخول “الأطلسي” إلى بيتها الداخلي، وعليه ربما ترى أن تكلفة الحرب من أجل منع ذلك باتت أقل كلفة من عضوية أوكرانيا في الحلف.
موسكو في حساباتها لم تغلق باب الحوار عبر طرح مبادرات ولجان من أجل التوصل إلى تفاهمات، وهي في رؤيتها هذه تدرك مدى حاجة الولايات المتحدة إليها في ألا تصطف إلى جانب التنين الصيني، الذي يشكل محور جميع التحركات الأمريكية السياسية والأمنية في العالم حاليا.
وتبدو اللغة الأمريكية المرنة إزاء التهديد النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية أقرب إلى دبلوماسية سياسية، هدفها الأساسي عزل الصين، وربما دفعها إلى سيناريوهات خطرة، خاصة في تايوان، بتكرار السيناريو الروسي في جورجيا، وهي سياسة قد تنسحب على بحر الصين الجنوبي، وذلك باستنزاف الصين، ما سيُشكّل خطوة مهمة في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين وتجارتها العالمية، مع الإشارة إلى أن واشنطن ترى أن جدوى هذه السياسة تتوقف على مفاوضات النووي الإيراني في فيينا ومآلات الأزمة الأوكرانية، وهو ما يجعل من ملف الصراع الأمريكي-الصيني ممتدا وقائما في كل حدث سياسي إقليمي وعالمي خلال عام 2022.
وفي منطقتنا، التي لا تحظى بأهمية كبيرة في السياسة الأمريكية حاليا، لا تبدو الصورة وردية، فالملف السوري يراوح مكانه، ولعل الخطوة المهمة التي تنتظره تتعلق بإمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية إذا ما قررت الدول العربية ذلك خلال قمة الجزائر في مارس المقبل.
وإذا كان المشهد العراقي في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية يوحي بأزمة سياسية معقدة بسبب رفض القوى والمليشيات التابعة لإيران نتائج هذه الانتخابات، فإن المشهد الليبي الراهن لا يوحي هو الآخر بعملية سياسية تنقذ البلاد من أزمتها، خاصة في ظل المصير المجهول الذي يكتنف إجراء انتخابات كانت مقررة نهاية عام 2021، وهو ما يكشف مدى هيمنة المليشيات المسلحة على قرار الداخل الليبي عبر ولائها لأجندات إقليمية ودولية.
وفي تونس تستمر حركة النهضة، ذراع الإخوان هناك، في محاولاتها البائسة لتأليب الشارع على الرئيس قيس سعيد، الذي أنقذ تونس من براثن وفوضى الإخوان، عبر إجراءات الإصلاح الدستورية.
أما المشهد في السودان، فالاحتجاجات في الشارع لم تهدأ على وقع التباينات القائمة بين المكونين العسكري والمدني، ما يدفع للاعتقاد بأن المشهد هناك سيبقى مفتوحا على سيناريوهات كثيرة خلال العام الجديد.
هذه الأحداث المشتعلة في منطقتنا تدفع بدول الخليج العربي أكثر فأكثر إلى توحيد صفوفها، وقراءة التحولات والمتغيرات الجارية بدقة، من أجل اختيار الكيفية التي يتم بها التعامل والتعاطي مع هذه الأزمات، بما يخدم المواقف العربية، بحثا عن الاستقرار والتنمية والمكانة في عالم يشهد تحولات ومتغيرات وتحديات مفصلية.
من الواضح أن الملفات الساخنة خلال عام 2021 تم ترحيلها إلى عام 2022، ومع أن هذه الملفات تبدو مرتبطة ببعضها إقليميا ودوليا، فإنها أمام معادلة أمريكية معقدة وغامضة، معادلة تتلخص بين الإقدام والإحجام معا، إقدام يتعلق بمحاولة فرض سياسة بعينها على أزمات العالم، وإحجام عن استخدام القوة وأدواتها لتحقيق ذلك، بل وتلويح بالانكفاء والانسحاب من مناطق وطدت فيها نفوذها على الأرض خلال العقود الماضية.. معادلة أمريكا توحي بأن عام 2022 سيكون حافلا بالملفات الصعبة أيضا بعد أن وصلت هذه الملفات إلى درجات عالية من الخطورة، فهل تنتصر الحكمة بالحوار والتوافقات أم أن صوت السلاح في الكواليس والمخازن سيتحول إلى حرب أو حروب مدمرة؟
خورشيد دلي – باحث في الشؤون الكردية والتركية – العين الإماراتية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والموقع