دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – وما حاجة الأسد للانتخابات أصلا!

بشار الأسد قد يستمر للسنوات السبع القادمة وقد لا يستمر، لكن الأكيد أن سوريا أصبحت مجالا للتلاعب الخارجي وانكمشت إلى مساحة القصر الرئاسي في قمة جبل قاسيون.
بلد بات يفتقد لأي مظهر للسيادة
أمام مشهد الانتخابات الرئاسية في سوريا، أي في بلد بات يفتقد لأي مظهر للسيادة، مع وجود قوات عسكرية لخمس دول على أراضيه، هي الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل، وتتحكم بقراراتها السياسية دولتان هما روسيا وإيران، ومع تشريد قرابة نصف سكانه، والانهيار الاقتصادي الذي يعصف فيه، يجد المرء نفسه أمام حدث سريالي، وتراجيدي، فريد من نوعه، ومثير للحيرة حقا، سواء بالنسبة إلى القريب أو البعيد.ثمة أسباب عديدة تدفع إلى التساؤل والحيرة أهمها:
أولا، أن الرئيس الأسد (الأب)، المؤسس للحقبة الأسدية، جاء إلى السلطة وتحكم بها قبل أزيد من نصف قرن بواسطة انقلاب عسكري (1970) وليس عبر صناديق الاقتراع أو بواسطة الانتخابات.
ثانيا، لا يوجد شيء اسمه تداول على السلطة البتة في سوريا (كما لا يوجد فصل بين السلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية)، فنحن إزاء نظام تسلطي، بكل ما للكلمة من معنى، وفوق ذلك فقد تم تحويل ذلك النظام إلى جمهورية وراثية (جملكية)، فالأب نقل السلطة إلى ابنه، بعد ثلاثين عاما في الحكم (أكثر من فترة الاستعمار الفرنسي!)، وابنه بشار بات له في سدة الرئاسة 21 عاما، وها هو يجدّد لنفسه مرة أخرى، بل ويحضّر ابنه حافظ لوراثته، علما وأن شعار هذا النظام المرشوم في كل حارات ومنعطفات المدن في سوريا هو: سوريا الأسد إلى الأبد.
ثالثا، كل الانتخابات التي جرت في سوريا، سواء للرئاسة أو لمجلس الشعب، كانت مهندسة ومضبوطة، فمرات عديدة كانت عبارة عن استفتاء (في عهد الأب) ثم أضحت مجرد مسرحية (في عهد الابن)، مع وجود مرشحين هم أقرب إلى دمى، لا حياة ولا ريح لهم، أما انتخابات مجلس الشعب التي بالكاد يشارك فيها 10 في المئة في أقصى الحالات، فقوائمها معدة سلفا، ويتم التعامل معها بلا مبالاة، أو كمجرد همروجة، سواء من قبل الشعب أو من قبل النظام.
رابعا، في الأصل لا حاجة للأسد لانتخابات في سوريا، فهي بمثابة لزوم ما لا يلزم، وكأن الأسد يتعمّد عبرها معاقبة السوريين والإمعان في امتهانهم، إذ لا يوجد لها سوى تلك الوظيفة داخليا، لأن الجميع يعلم من هو الفائز سلفا، بدليل الاحتفالات التي أعدت قبل أيام للاحتفاء بفوزه! أما وظيفتها الخارجية فهي الاستهتار بكل القرارات الدولية، والمزايدة على الدول الديمقراطية الغربية، بأنه أيضا ينجح بواسطة الانتخابات.
وفكرة عدم حاجة الأسد للانتخابات مفروغ منها، فهو الذي يسيطر على الجيش وعلى الأجهزة الأمنية التي تتحكم بكل صغيرة وكبيرة في البلد، وهو الذي يسيطر على الموارد وعلى الإعلام، وعلى كل شيء، بما في ذلك سن التشريعات والقوانين، وحل مجلس الشعب.. إلخ.
وفي الواقع فإن أكثر نظام يشبه النظام السوري هو نظام كوريا الشمالية، لمؤسسه كيم إيل سونغ، والمعنى من ذلك أن الأسد لا يقارب حتى اللعبة التي يمارسها أقرب حليفين له، أي روسيا وإيران، ففي الأولى اعتاد بوتين على الإتيان بخليفة صورية له (ميدفيديف)، بعد كل ولايتين، أما في إيران، حيث “الولي الفقيه” هو المرجعية، أو الحاكم الأعلى، فثمة رؤساء يأتون ويذهبون بإشارة منه.
خامسا، في الحقيقة فإن النظام السوري يفتقد أساسا للديمقراطية، فتلك لا يمكن اختزالها بمجرد انتخابات، لأن الديمقراطية تتأسس على دولة المؤسسات والقانون، وهذه غائبة تماما، إذا أكلت السلطة الدولة، أو تغولت عليها، وأفرغتها من دورها، أو سخّرتها لمصلحتها.
سادسا، تتأسس الديمقراطية أيضا على المكانة الحقوقية والقانونية للمواطن الفرد المستقل، الذي يتمتع بالحرية والمساواة مع المواطنين الآخرين، وهو الأمر الذي تفتقد له سوريا، بحكم مصادرة النظام للحقوق والحريات، في بلد تحرم فيه الحياة الحزبية وحرية الإعلام وحرية الرأي.
الآن، بحسب المسرحية التي جرت فقد تم انتخاب بشار الأسد رئيسا لولاية جديدة قدرها سبع سنوات، وهي المرة الثانية، التي يحصل فيها ذلك إبان الصراع الجاري في سوريا، إذ المرة الأولى تمت في العام 2014. وفي الواقع فإن الأسد، في المرتين يبدو مصرا على الاستمرار في سدة السلطة رغم كل الإنهاك والاستنزاف الحاصل في البلد، ورغم معاناة 24 مليونا من السوريين (سواء من الموالاة أو المعارضة)، كأنه في حال انفصام شديد، عن الواقع وعن العالم وعن المنطق. أما بخصوص الفارق بين المرة السابقة وهذه المرة، فيمكن ملاحظته في أنه في المرة الأولى كان الصراع بين النظام والمعارضة في طور الاحتدام والتصاعد، أما في هذه المرة فهو في طور الأفول، إلا أن الأسد هذه المرة يقف، مع أفول أو انحسار المعارضة، أمام تحدي توزع دول النفوذ الخمس في سوريا.
على ضوء ذلك، كما بناء على التجربة السابقة، ربما من الصعب التكهن باقتراب رحيل أو ترحيل الأسد، لأن هذا الأمر لا يزال رهينا بكيفية تصرف الولايات المتحدة الأميركية، ومدى حسمها لمسار اتجاه الدفة في هذا البلد الذي عايش الأهوال. وكما نلاحظ فحتى الآن لا تبدو الإدارة الأميركية في عجلة من أمرها، كونها لا تتأثر بما يحصل في سوريا، لذا فهي حتى الآن تشتغل وفق قاعدة إدارة واستثمار الصراع، بدلا من حله، قناعة منها بأن أي اتجاه ستذهب إليه سوريا سيصب في صالحها.
هكذا، فقد يستمر الأسد للسنوات السبع القادمة، وقد لا يستمر، في سدة الرئاسة، لكن الأكيد أن سوريا أصبحت مجالا للتلاعب الخارجي، وأن سوريا الأسد انكمشت إلى مساحة القصر الرئاسي في قمة جبل قاسيون، رغم انتخاب السيد الرئيس لولاية رابعة.

ماجد كيالي – كاتب سياسي فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة