في تركيا يظهر حنين إلى أيام العثمانيين في الجزائر كما يبدو من أغنية قديمة أعيد إحياؤها هذه الأيام وتقول كلماتها “طارت بذور الحصاد الجزائري في الهواء مبعثرة في الرياح”.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يعرف على أي رِجل يرقص. فمن جهة ينكر المذبحة التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية عام 1915 في حق الأرمن، ومن جهة أخرى يقر بالجريمة حينما يتهم أحفاد الناجين من تلك المجزرة بالإرهاب، مستعملا عبارة أقل ما يقال عنها أنها تحرّض على الكراهية.
العبارة التركية المشؤومة هي “كيليتش أرتي” التي تعني “بقايا السيف”، وذلك في مداخلة 4 مايو الماضي، في إطار ندوة حول وباء كورونا، حيث قال “لن نسمح للإرهابيين من الناجين من السيف في بلدنا بمحاولة تنفيذ أعمالهم الإرهابية. لقد انخفض عددهم”، ويضيف، “ولكنهم ما زالوا موجودين”.
ألا يعتبر ذلك تهديدًا صريحا للمسيحيين الذين يتناقص عددهم باستمرار في بلدهم تركيا؟ إذا كانت السلطات التركية لا تعترف بارتكابها أية مذبحة، فما هو مصدر عبارة “بقايا السيف” المتداولة في الخطاب السياسي والإعلامي والشعبي التركي؟ ومن المقصود بالعبارة؟
ليس سرا أن عبارة “بقايا السيف” تشير مباشرة إلى الناجين من المجازر التي ارتكبها أجداد أردوغان، في حق المسيحيين والعلويين، وبشكل خاص الأرمن واليونانيين والآشوريين، في العهد العثماني ثم التركي، كما يبين كتاب المؤرخين بيني موريس ودور زيفي “مجزرة الثلاثين عاما: تدمير تركيا لأقليتها المسيحية، 1894 – 1924”، المنشور سنة 2019.
لا تشير العبارة إلى الذين لجأوا إلى أرمينيا (حوالي 3 ملايين نسمة) ولا أرمن الشتات الذين يبلغ عددهم 4 ملايين نسمة، وإنما تشير مباشرة إلى 200 ألف أرمني يعيشون دائما في تركيا، ونقرأ عنهم أشياء صادمة في كتاب الفرنسيين، لورانس ريتر وماكس سيفاسليان، المعنون “بقايا السيف: الأرمن المخفيون والمؤسلمون في تركيا”، الصادر عام 2012. وعلاوة على أنها عبارة مهينة للضحايا، فإن “بقايا السيف” تحرّض على الكراهية وتعرض حياة الأحفاد المسيحيين، الذين يعانون باستمرار من الضغوط وحتى من الاعتداءات الجسدية أحيانا، للخطر.
استعمل أردوغان العبارة للمزيد من الضغط والتخويف، بل وتلميحا لإمكانية عودة الإبادة الجماعية للأقليات الدينية والعرقية التي تناضل من أجل الكرامة والحرية.
وبدلا من أن يعيد للسياسة نبلها كرئيس دولة ويعمل كل ما في وسعه للقضاء على العنصرية والكراهية، فهو يرسخ تلك النظرة المتعالية على المسيحيين والعلويين وكل المختلفين.
كيف يمكن لرئيس دولة التلفظ بعبارة “بقايا السيف” التي تعني شيئا واحدا هو تزكيته وافتخاره بما ارتكب أجداده من جرائم إبادة في حق مواطنين ذنبهم الوحيد، ولا يزال، هو الاختلاف؟
من حق كل الشرفاء في العالم أن يستنكروا استعمال رئيس دولة – عضو في هيئة الأمم المتحدة والحلف الأطلسي والمرشحة دائما للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي – عبارة كهذه لأنها تؤجج الحقد الديني والعرقي وتضع حياة الكثير من البشر في خطر.
وبدلا من النقد الذاتي وتصفية الأجواء والاعتراف بالخطيئة التاريخية وتقديم اعتذار صادق باسم الدولة التركية، لا يزال الرئيس الإسلاموي يؤلب ضد الضحايا ويتأسف لبقائهم على قيد الحياة ويتباهى بما اقترفه أسلافه في حقهم.
على المجتمع الدولي أن يتحرك قبل الكارثة، ولا بد أن يجبر أردوغان وحزبه على الاعتراف والقبول بأن المواطنة ليست حكرا على أهل السنة والأتراك فقط، وأن القضية قضية حقوق إنسان قبل العرق والدين والمذهب.
والغريب أن الحكومة الجزائرية في سبات عميق مزعج حقا تجاه الأصولي صاحب الحلم العثماني الكبير، فعلاوة على تدخل أردوغان في ليبيا على حدود الجزائر، والخطر الذي يمثله، يظهر في تركيا حنين إلى أيام الحكم العثماني في الجزائر، كما يبدو من أغنية قديمة أعيد إحياؤها هذه الأيام.
الأغنية كتبت عام 1830، بعد هروب العثمانيين وترك الجزائريين يدافعون وحدهم ضد الفرنسيين، “كزاير”، الجزائر، ذلك هو عنوان الأغنية التي تعرف نجاحا منقطع النظير بين الشباب الأتراك اليوم، وتقول كلماتها “طارت بذور الحصاد الجزائري في الهواء، مبعثرة في الرياح الأربعة.. الجزائر أمي الجزائر حبيبتي”.
فهل لوجود عساكر أردوغان في ليبيا علاقة بـ”أمهم وحبيبتهم الجزائر” كما تحلم الأغنية؟
حميد زناز – كاتب جزائري مقيم في فرنسا – العرب اللندنية
المقال تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة