هل سيشهد نيسان مجلس الأمن سعياً دبلوماسياً حازماً تقف فيه الولايات المتحدة في مواجهة أصحاب الفيتو الذين اعتادوا إشهار خنجرهم المسموم كلما اقترب المجلس من إيجاد صيغة لإنهاء فصول الهولوكوست السوري.
القضية السورية حالة مستعجلة
نعم أيتها السيدات وأيها السادة، ما سمعناه من إحصاءات وأرقام عن حجم المأساة الإنسانية السورية في جلسة مجلس الأمن التي تترأسها الولايات المتحدة الأميركية على امتداد شهر نيسان (أبريل) الجاري رئاسة دورية، ليس سوى غيض من فيض.
في المقابل، نرى موسكو على لسان ممثلها في الأمم المتحدة ماضية في عنجهيتها، لا تتوقف عن التهديد باستعمال حق النقض (الفيتو) إذا ما أقر مجلس الأمن فتح معابر إنسانية – كانت قد أغلقت بقرار بقرار أممي أيضاً – لإيصال المساعدات إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في الشمال السوري على جانبي الفرات: شرق النهر حيث المعارضة الكردية حليفة الولايات المتحدة، وغرب النهر حيث المعارضة التي يقودها الائتلاف الوطني السوري وحكومته المؤقتة.
هنرييتا فور رئيسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” قالت في الجلسة التي ترأسها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن “إن أسوأ أزمة اقتصادية في سوريا جعلت ما يقارب 90 في المئة من أطفالها بحاجة إلى مساعدات إنسانية”، بينما حثّ بلينكن على فك الربط السياسي بالبعد الإنساني للقضايا العاجلة في سوريا، ملمّحاً إلى دور موسكو في تعطيل وصول المساعدات إلى مناطق المعارضة بحجة حرصها على أمن المعابر. وأشار بلينكن إلى الجهة الحقيقية التي تهدد الأمن داعياً المجلس إلى “أن يتوقف عن تجاهل واقع الحال وإيجاده الأعذار لهجمات موسكو على المشافي بالقرب من المعبر الوحيد المصرّح به، ما أدى إلى إغلاقه”.
ولم يخف نظير بلينكن في الجلسة نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين امتعاضه مما صرّح به بلينكن، متهماً مجموعات إغاثية “بممارسة التمييز ضد المناطق التي تسيطر عليها حكومة الأسد في دمشق بهدف عرقلة تعافي سوريا والحيلولة دون إتاحة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والعمل على تقويض سيادة وأمن البلد بدوافع سياسية تنحصر بكرههم للأسد وحسب”.
كما ألقى باللائمة على العقوبات أحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مشيراً إلى تأثيرها “السلبي والدراماتيكي” على حالة الاختناق الاقتصادي التي وصلت إليها البلاد.
بدأت المواجهة الدبلوماسية عالية النبرة بين موسكو وواشنطن ترسم ملامحها الأولى منذ مطلع فترة رئاسة الولايات المتحدة لمجلس الأمن، وقد تكون هذه فرصة واشنطن السانحة للضغط في اتجاه تنفيذ قرارات المجلس المعلقة والتي تنتظر أن تتحرك من الأدراج وحبر الوثائق إلى نبض الواقع ولاسيما في ما يتعلق بالقضية الأكثر تعقيداً والأفدح خسارات على المستويات الإنسانية والسياسية والأمنية كافة وهي القضية السورية، تلك التي لم تشقّ طريقها بعد للانفراج ولم يستطع مهندسو القرار 2254 في المجلس إلى الدفع به لدائرة الضوء من أجل السير في درب تحقيق العدالة الأممية المنشودة للشعب السوري الكليم.
فالولايات المتحدة لطالما تحمّلت المسؤولية الإنسانية في منح المساعدات الأعلى للشعب السوري والتي تجاوزت منذ العام 2011 مبلغ 9.5 مليار دولار ووفّرت الغذاء والمأوى والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والرعاية الطبية والتعليم إلى جانب متطلبات يومية تشتد الحاجة إليها لما يقارب 12 مليون سوري يعانون في الداخل إلى جانب 5.7 مليون لاجئ يعيشون في الشتات متفرقين بين دول الجوار السوري.
أما الدعم السياسي الأميركي للثورة السورية فكان مرتبكاً إلى حد الالتباس في بعض المواقع، ولاسيما في المقاربة الهشة التي اتخذتها إدارة أوباما الحاضرة على مدى ست سنوات من سنيّ الثورة، وقد ساهمت بقراراتها المتناقضة في تمديد معاناة السوريين، وشتّتت مساعي التغيير السياسي السلمي الذي كان على الأبواب في العام 2011، والذي لو حدث في حينها لوفّر على السوريين والعالم دماً واستقراراً وأمناً فُقدوا في حمأة تلك الحرب الجائرة التي فُرضت على السوريين وسوريا بأيدي النظام وحلفائه.
وضمن مناسبة احتفالية بمتحف الهولوكوست في واشنطن في شهر فبراير من العام 2011 خطب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن – وكان في حينها نائباً للرئيس أوباما – خطاباً لافتاً تعهّد فيه بدعم الشعوب التي تعرضت للذبح على يد حكوماتها لمجرد مطالبتها بالحريات العامة، وقال “عندما تشارك حكومة بمجزرة فإنها تتخلى عن سيادتها”. وفي مارس من العام عينه، خرج السوريون إلى الشارع مطالبين حكومتهم بالحقوق الإنسانية الأساسية في الحرية والعدالة والكرامة، بينما ردّ نظام بشار الأسد بإطلاقه العنان لأفدح المجازر المنظمة بحق المدنيين العزل في التاريخ المعاصر.
فصل المقال يقع في لبّ ميثاق الأمم المتحدة وحزمة الحقوق والصلاحيات المعطاة للدولة التي تترأس مجلس الأمن كما يقرّها، وفي مقدمتها حق الدولة الرئيسة في اختيار الملف الذي تريد التركيز عليه وإدارته خلال فترتها الرئاسية التي تمتد لثلاثين يوماً.
وفي نيسان مجلس الأمن لهذا العام يمكن أن يتغيّر الكثير إذا ما اختارت واشنطن إشهار القضية السورية كحالة مستعجلة على المجلس حسم أمره في معالجتها، والضغط على الأعضاء المعطّلين (بكسر الطاء) ومنعهم من عرقلة المخارج المتفق عليها أممياً لتحقيق الانتقال السياسي في سوريا الواقفة على قدم واحدة على أبواب استحقاقات سياسية مصيرية.
فهل سيشهد نيسان مجلس الأمن سعياً دبلوماسياً حازماً تقف فيه الولايات المتحدة في مواجهة أصحاب الفيتو الذين اعتادوا إشهار خنجرهم المسموم كلما اقترب المجلس من إيجاد صيغة لإنهاء فصول الهولوكوست السوري المتّصل الذي لم يتجرّأ على ارتكابه الهتلريون؟
مرح البقاعي – كاتبة سورية أميركية – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة