دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – من يعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية

مع إعلان الإدارة الأميركية موقفا أكثر تشدّدا من النظام السوري ودعوتها الدول العربية إلى وقف عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية بدت المواقف العربية أكثر تردّدا للبعض من مراقبي المشهد السوري.
ولكن في الحقيقة، فإن التردّد العربي أبعد من هذا التصريح الأميركي لطيف اللهجة نسبيا، فهو لا يرتقي إلى مستوى فيتو رادع ولا يمكن أيضا الاستهانة به، فهو رسالة مبطّنة تحمل خطابا مزدوجا يوحي بأنه غير مرغوب أن يعود نظام ملطخة يداه بالكثير من الدماء إلى الساحة الدبلوماسية من البوابة العربية من جهة، ومن جهة ثانية يقول للإيرانيين إن كل استثماراتهم في هذا النظام ستذهب هدرا طالما بقي منبوذا عربيا ودوليا.
الرسالة للإيرانيين محاولة فرض ضغط أميركي على طهران في المفاوضات النووية بالدرجة الأولى، أكثر من كونها موجّهة إلى الدول العربية لتوقف استقطابها للنظام السوري. مما يجعل الدعوة الأميركية للدول العربية شكلية بينما في الحقيقة موجها نحو إيران أولا وأخيرا.
ومع ذلك، يُجيد الكثير من العرب قراءة ضبابية الموقف الأميركي، فكون الدعوة الأميركية لا تحمل تهديدا لا يعني أنها غير جادة أيضا.
فهناك “قانون قيصر” الذي يفرض العقوبات على كل من يتعاون مع النظام السوري عسكريا بالدرجة الأولى وماليا بالدرجة الثانية، يجعل من أي تصريح مهمَا كان دبلوماسيا وخفيف اللهجة، كلاما يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار.
صحيح أن الإدارة الأميركية لا ترى في سوريا أولوية، ولكن ذلك بحد ذاته سياسة، فسياسة ما يبدو أنه “غض النظر” عما يحدث في سوريا، وعدم التركيز على الوجود العسكري الأميركي لا يعني تخليّا عن الدور هناك.
لماذا على واشنطن أن تقوم بشيء هناك طالما أنه كلما طالت الأزمة أتعبت كل اللاعبين بإغلاقها أي أفق لا يتناسب مع الحلول التي تريدها.
لذلك لن يهمل العرب الدعوة الأميركية، ولكنهم لن يعتبروها إقصاء لهم عن أداء أي دور قد يقود إلى حل ينقل سوريا من مشكلتها الداخلية نحو مستقبل يصيغه العرب.
وبالنظر إلى المشهد السوري من زاوية أوسع ورؤية أشمل، سنجد أن العراقيل الحقيقية أمام عودة سوريا إلى الجامعة العربية معتمدة بالدرجة الأولى إلى أي مدى ستكون دولة فاعلة وإيجابية في تصرفاتها تجاه المحيط العربي؟
ولماذا على الجامعة العربية التي تتطلب إجماعا عربيا أن ترحّب بنظام لم يتردد في زعزعة استقرار الآخرين؟
فمن يتاجر بالمخدرات ويحوّل بلاده إلى مركز تصدير لما تنتجه الميليشيات الإيرانية إلى المحيط العربي عليه ألا يتفاجأ بالتردد العربي في عودته للمؤسسة العربية.
من يجب عليه أن يبادر هو من يجوّع شعبه ويعاني مجتمعه وتنعدم السلع في أسواقه ويقتحم الفقر كل مكونات بلاده وتنهار عملته وينعدم الاستقرار في أرجاء وطنه وتهرب رؤوس الأموال منه وتنتعش الأعمال الخارجة عن القانون ويزدهر الفساد فيه.
من هو بحاجة إلى الآخر عليه أن يبادر، فسوريا اليوم يجب أن تخرج من الخطابات والشعارات القومية التي يتبناها من يتحكم بالبلاد بينما يرتمي بالحضن الإيراني، ولاسيما عندما يكون النظام الإيراني مصدر قلق وإزعاج للدول العربية.
العودة إلى الجامعة العربية ليست بشغل الكرسي الشاغر فحسب، بل بعودة سوريا قولا وفعلا للحضن العربي، وهذا يتطلب مبادرة سورية حقيقية وتطبيقا عمليا لتقديم ما يُطمئن العرب بالابتعاد عن عقلية نكران الواقع من جهة، ومن جهة أخرى التواضع كثيرا أمام حقيقة أن سوريا دولة منهارة ببنيتها التحتية ومجتمعها المفكّك وطريقة إدارة البلاد.
العودة تنطلق من دمشق وليس من الدول العربية، وما نراه هناك حتى اليوم لن يطمئن أحدا ولن يجعل أحدا يتحمل المخاطر والأعباء وبالمقابل من يحكمون سوريا يعتقدون أنهم مركز الكون ودونهم لا تكون الجامعة عربية.
القليل من التواضع أقل ما يمكن أن يقدمه السوريون لبلادهم، ودون تغيير حقيقي لا يوجد شيء يمنع أن تتدحرج الأمور مرة ثانية نحو الأسوأ.
فوضع سوريا اليوم أسوأ من أيام الحرب، وسببه بسيط توقيع صغير على ورقة في البيت الأبيض بعنوان “قانون قيصر” فما تستطيع فعله واشنطن لا يكلفها كثيرا، ولكن يكلف المنخرطون في سوريا الكثير.
ولا ننسى أيضا أن ملفات جرائم الحرب والكيمياوي قادرة على أن تبقي الأسد وداعميه في المستنقع لسنوات طويلة.
عقلية الحرب لا تنقل سوريا نحو السلام، ومن يعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، من يعتقد أن على العرب استرضاء دمشق.
فبشار الأسد، الذي يعتبر نفسه المنتصر، ينسى أنه انتصار فوق حطام البلد الذي دخل مرحلة جمود لا يوجد أفق لها، وخصوصا أن صناع النصر من روسيا وإيران يجيدون الحرب لا السلام، على الأقل هذا ما يبدو حتى الآن.
ومن يعتقد أن سوريا ما قبل الحرب كما بعدها لا يعلم لماذا لن تعود بلاده إلى الجامعة العربية. المعرقل هو النظام القابع في دمشق وليست التحذيرات الأميركية.

غسان إبراهيم – إعلامي سوري – العرب اللندنية

المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة