دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – من قال إن الحرب الباردة انتهت

الحرب الباردة لم تنته، ببساطة لأنه لا يمكن لها أن تنتهي. إنه صراع الخير والشر، السالب والموجب.
في السابع من أكتوبر عام 1989 شهدت ألمانيا الشرقية مظاهرات ضد النظام، ما لبث أن ارتفع عدد المشاركين فيها الى مليون متظاهر. وفي مساء التاسع من نوفمبر، من نفس العام، أعلنت برلين الشرقية سقوط جدار برلين وفتح الحدود بين المانيا الشرقية والغربية.
حمل الألمان معاولهم لتهديم جدار أكبر سجن عرفه العالم، وتدفق عشرات الآلاف إلى المانيا الغربية عبر “بوابة براندنبورغ”، وفي 13 يونيو 1990 بدأت رسميا عملية هدم الجدار. ليتم الاعلان عن كسب الحرب الباردة.
الحرب الباردة لم تنته، الذي انتهى هو الاتحاد السوفييتي، ليشهد العالم اليوم حربا باردة بأهداف ووسائل جديدة، قد تكون صقيعية، ولكنها حتما أشد ضراوة. في نسختها الأولى كانت الحرب بالنسبة لأميركا منع انتشار الشيوعية في الولايات المتحدة وفي العالم. أما بالنسبة للسوفييت فكان الهدف هو نشرها.
في الظاهر، يقول الأميركيون إما أن تكونوا مثلنا أو أنتم ضدنا، وفي الباطن يقولون لن نسمح لكم أن تكونوا مثلنا، نريدكم ضدنا، وسنعمل كل ما في وسعنا على أن تستمر العداوة بيننا
المستهدف هو النظام الرأسمالي الليبرالي، لذلك جندت الولايات المتحدة كل الوسائل لكسب حرب لن تحدث بالسلاح، حرب باردة، كان سباق التسلح والتلويح باستخدام السلاح، دون أن يجرؤ أحد الطرفين على أن يكون البادئ، هو المعركة التي أرهقت السوفييت، إلى جانب تحكم الولايات المتحدة بأسعار النفط، لتهبط بها إلى الحضيض.. هكذا تفكك الاتحاد السوفييتي. للحرب الباردة في نسختها الثانية وجهين، حرب تجارية، وأخرى مع عدو مختلق.
العدو المختلق، هو الإرهاب، وتمتد جذوره الى الحرب الباردة في نسختها الأولى، الإخوان المسلمين ومن ثم القاعدة.
الإخوان، أداة الهاء لحكومات وطنية ذات ميول اشتراكية، للحيلولة بينها وبين تحقيق تنمية بشرية واقتصادية حقيقية. أما القاعدة فكان الهدف من تأسيسها محاربة الشيوعيين في الحرب السوفيتية في أفغانستان. وليس سرا أن الولايات المتحدة هي من مول المجاهدين الأفغان، الذين كانوا يقاتلون الاحتلال السوفييتي، عن طريق المخابرات الباكستانية، ضمن برنامج لوكالة المخابرات المركزية سمي بـ”عملية الإعصار”.
هذه صورة عامة، لنقترب من التفاصيل أكثر. في لقاء مع مفكرين روس وشخصيات أدبية وإعلامية في مبنى السفارة الإيرانية في موسكو قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مؤخرا أن العلاقات بين إيران وروسيا هي الأفضل خلال الـ40 عاما الأخيرة، وأن السبب الرئيس لذلك هو إدراك إيران وروسيا والصين ما تريده الولايات المتحدة الأميركية.
نعم، ماذا تريد الولايات المتحدة؟ ظريف لم يقل ماذا تريد واشنطن، ويبدو أن أحد من الحاضرين لم يسأل الوزير الايراني ماذا تريد منكم الولايات المتحدة. ما تريده واشنطن هو هيمنة سياسية وعسكرية تسهل لها الهيمنة على العالم اقتصاديا.
الحرب الباردة لم تنته، الذي انتهى هو الاتحاد السوفييتي، ليشهد العالم اليوم حربا باردة بأهداف ووسائل جديدة، قد تكون صقيعية، ولكنها حتما أشد ضراوة
الحرب الباردة لم تنته، بل توسعت لتشمل أطرافا جديدة. في فترة الحرب الباردة الأولى سمحت الولايات المتحدة للنمور الآسيوية بالنمو، الوضع حينها كان تحت السيطرة، ولا مانع أن تتحول تلك الدول الى ورشات عمل يستفيد منها الاقتصاد الأميركي. الأمر مختلف اليوم مع الصين، التي سعت إلى تجاوز أنشطة الاقتصاد التقليدي، وحاولت أن تنتزع لنفسها حصة من كعكة الاقتصاد الذكي.
تمردت الصين على الدور المرسوم لها، ورفضت أن تكون مجرد ورشة عمل، تجرأت على تحدي الشركات الأميركية، هيأ لها أن بمقدورها أن تنافس تلك الشركات بأعز ما تمتلكه، فاستحقت غضب واشنطن، التي أعلنت عليها حربا تجارية.
ما زالت روسيا بطموحاتها الإمبراطورية، وبما تملكه، تشكل خطرا عسكريا. يجب أن يخضع لمراقبة مستمرة. أما ايران فهي صندوق من المفاجآت، المخيفة أحيانا، والمسلية أكثر الأحايين.
في الظاهر، يقول الأميركيون إما أن تكونوا مثلنا أو أنتم ضدنا، وفي الباطن يقولون لن نسمح لكم أن تكونوا مثلنا، نريدكم ضدنا، وسنعمل كل ما في وسعنا على أن تستمر العداوة بيننا. أمام العالم 50 عاما أخرى يراقب خلالها ماذا سيحدث، خذوا أماكنكم في الصفوف الأمامية، وتابعوا العرض، الحرب الباردة لم تنته بعد.
علي قاسم – كاتب سوري – صحيفة العرب
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة