لا أحد يمكن أن يتنبأ بما قد يقع العام القادم في هذا العالم، ولا أحد يضمن ثبات أردوغان في مواقفه التي أكدت حتى هذه اللحظة أن “لا صديق دائم ولا عدو دائم له”.
لا أحد يضمن ثبات أردوغان في مواقفه
تأجل حسم السباق الرئاسي في تركيا إلى تاريخ جديد وبهذا سيكون لزاما على العديد من الدول أن تتريث قليلا ريثما تنضح الرؤية ليتم تحديد الموقف الجديد من النظام في تركيا، فكما يرى البعض أن بقاء رجب طيب أردوغان لن يقدم شيئا جديدا في السياسة الخارجية التركية، يرى آخرون أن وصول كمال قليجدار أوغلوا إلى السلطة سيدفع إلى قراءة جديدة للعلاقات وفرصة ثمينة لحلحلة بعض المشاكل العالقة مع تركيا، وهنا نقصد بالتحديد سوريا التي تنتظر بفارغ الصبر قدوم المرشح العلماني للدخول في مرحلة تطبيع سينهي مشكلة اللاجئين والمعارضة والتدخل العسكري الذي نفذه أردوغان.
صحيح أن أردوغان المعروف بتغيير مواقفه السياسية كما يغير جواربه قد مضى بعيدا في سياسة تصفير المشاكل مع العالم العربي ودول الخليج بشكل خاص، ووصل إلى مرحلة متقدمة جدا في طريق التصالح مع النظام المصري، وأبدى استعدادا لفتح صفحة بيضاء مع دمشق، ولكن من يضمن لنا ألاّ يقوم بانعطافة جديدة في الموقف التركي حيال العديد من القضايا العربية مع احتمال حصول تغيير جديد في الإدارة الأمريكية عام 2024، أو فشل الروس في أوكرانيا وعودة المياه إلى مجاريها بين الأميركان ودول الخليج وفشل محاولة تغيير النظام العالمي الجديد؟
هل بإمكان مصر أن تضمن بأن أردوغان سيقدم تنازلات في ملف الغاز وملف ليبيا وملف المعارضة، خاصة وأن النظام السياسي في مصر مقبل على انتخابات رئاسية في عام 2024؟ وهل بإمكان أردوغان أن يثبت في موقفه من مسألة عودة العلاقات مع سوريا أم أنه سينقلب مرة أخرى في موقفه من الأسد لحسابات أخرى؟
◙ أردوغان لن يتردد عن فعل أي شيء في اللحظة الحاسمة لعدم الخسارة. وأيا كانت النتيجة فإن قليجدار أوغلو قد فاز فوزا معنويا عندما قابل مرشح السلطة الذي يمتلك كل شيء وأجبره على الذهاب إلى الجولة الثانية
لا أحد يمكن أن يتنبأ بما قد يقع العام القادم في هذا العالم، ولا أحد يضمن ثبات أردوغان في مواقفه التي أكدت حتى هذه اللحظة أن “لا صديق دائم ولا عدو دائم له”.
قبل الدخول في السباق الرئاسي كان لقليجدار أوغلوا موقف مغايرا تماما لموقف أردوغان من نظام بشار الأسد، وكان على استعداد دائم لفتح عهد جديد من العلاقات مع الجارة الجنوبية يسودها الاحترام المتبادل، من منطلق أن عداوة سوريا مع تركيا لن تقدم أيّ شيء سوى أنها ستضمن بقاء مشكلة اللاجئين عالقة إلى إشعار آخر. واللافت أن قليجدار أوغلو كان ضد أيّ تدخل عسكري تركي يفضي إلى انتهاك السيادة السورية ويزيد الوضع تعقيدا، ولهذا فإن فوزه بالانتخابات في تركيا سيكون إعلانا لنهاية أيّ عملية عسكرية في الشمال السوري.
وإذا كان أردوغان قد خذل حماس وأقدم على تطبيع علاقاته مع إسرائيل فإن هذه الأخيرة تخشى من وصول قليجدار أوغلوا إلى الحكم لأن الرجل ع لى استعداد لعودة الخلاف إلى المربع الأول وتصفية الحسابات في مسألة سفينة “مرم رة”. وأيا كان موقف قليجدار أوغلوا من تواجد قيادات من حماس على الأراضي التركية فإن حصول قطيعة جديدة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب سيكون خيرا لمحور المقاومة الإيراني.
من الواضح أن قليجدار أوغلو يولي في خطابه اهتماما كبيرا بالشأن الداخلي أكثر من الخارجي، فالرجل يكرر الحديث دائما عن خطة إصلاح ما أفسدته حقبة أردوغان وسوء تسيير المال العام، ومن غير المستبعد في حال وصوله إلى السلطة أن يسعى إلى كسب التأييد الشعبي والحزبي للقيام بإصلاحات دستورية من شأنها أن تعكس نظرة العلمانيين في طريقة الحكم ومعايير الديمقراطية وخطة لإصلاح القضاء. لهذا فإن العلمانيين سيكتفون بمعركة واحدة وهي معركة الإصلاح الداخلي، وسيكونون أكثر اعتدالا في سياساتهم الخارجية، ويكتفون فقط بمحاولة تدعيم العلاقات مع المحيط العربي للمصلحة الاقتصادية من باب أنه لا فائدة من دخول البلاد في عداء لا يقدم شيئا على أرض الواقع بل ستكون تكرارا لأخطاء أردوغان.
◙ لا أحد يمكن أن يتنبأ بما قد يقع العام القادم في هذا العالم، ولا أحد يضمن ثبات أردوغان في مواقفه التي أكدت حتى هذه اللحظة أن “لا صديق دائم ولا عدو دائم له”
لقد خدم انقلاب 2016 سلطة أردوغان بعد أن نجا بأعجوبة وسمح له بالقضاء على الإعلام المعارض وإغلاق المئات من المواقع الإلكترونية والجرائد التي تغرد خارج السرب، كما سمح له بالقيام بالاستفتاء الدستوري الذي أعطاه الصلاحية للترشح مجددا في هذا السباق الانتخابي الذي نعيشه اليوم.
تلك التعديلات قد أعطت أردوغان صلاحيات “إمبراطور” ومكّنته من التحكم بشكل أكبر في البلاد وتغلغل نفوذه بشكل أعمق في الدولة التركية التي أصبحت شبيهة بالدولة البوليسية، ولهذا من الصعب توقع فوز قليجدار أوغلوا الذي يواجه الخصم والحكم بطريقة ديمقراطية.
أردوغان لن يتردد عن فعل أي شيء في اللحظة الحاسمة لعدم الخسارة. وأيا كانت النتيجة فإن قليجدار أوغلو قد فاز فوزا معنويا عندما قابل مرشح السلطة الذي يمتلك كل شيء وأجبره على الذهاب إلى الجولة الثانية.
فاضل المناصفة – كاتب فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة