ما تحتاجه دمشق هو سياسة تطبيع ليس مع دول الجوار فقط بل مع السوريين أنفسهم، فنحن لم نسمع حتى هذه اللحظة ما يشير إلى أن دمشق لديها خطة من هذا القبيل.
اقتربنا من حل الجزء الصعب.. ولكن بقى الجزء الأصعب
من بعيد يبدو الطريق ممهدا أمام عودة سوريا إلى الحضن العربي؛ ظروف دولية وإقليمية بعضها سياسي وأمني وبعضها اقتصادي دفعت دولا عربية وإقليمية للقبول بهذه العودة. ولا ننسى أيضا الظروف الإنسانية الصعبة التي انتهى إليها حال السوريين، سواء داخل سوريا أو المهجّرين خارجها.
الأحداث التي حفلت بها السنوات الثلاث الأخيرة كانت صعبة على الجميع، بما يكفي للاقتناع بضرورة البحث عن حلول تخرج دول المنطقة من الفوضى التي شهدتها خلال العشرية الماضية.
صناعة الأعداء سهلة. إن لم نتمكن من صناعة أصدقاء، على الأقل نتجنب تحويلهم إلى أعداء. هذا بالضبط ما اختارت أن تفعله دول المنطقة، في مقدمتها السعودية والإمارات. وستكون عودة العلاقات بين الرياض ودمشق (يتوقع حدوث ذلك بعد عطلة عيد الفطر) تطورا مهما في التحرك نحو تطبيع العلاقات مع دمشق التي قاطعها الكثير من الدول الغربية والعربية بعد اندلاع الاقتتال في سوريا عام 2011.
بعد خمسة أيام يجتمع العرب في الرياض، وقد يتم الاتفاق فيما بينهم على عودة سوريا إلى الحضن العربي. فهل هناك مؤتمر للتطبيع بين الأطراف السورية يعيد السوريين إلى الحضن السوري؟
الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال غرب سوريا مؤخرا سرّع من التحرك باتجاه التطبيع، حتى لا نقول الصلح. إلا أن طريق التفاوض لن يكون سهلا، هناك الكثير من الآلام التي يجب تجاوزها والجراح المفتوحة التي يجب أن تلتئم. وأقصر الطرق لتحقيق ذلك القبول بسياسة عفا الله عما مضى.
إعادة سوريا إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية التي ستطرح خلال قمة الرياض بعد خمسة أيام (30 آذار – مارس) لن تكون سهلة، خاصة في ظل موقف دولة قطر الذي يتبنى وجهة النظر الأميركية الرافضة لأيّ اتفاق يفضي إلى تطبيع العلاقات مع الأسد، مصرة على أن الحل في سوريا يجب أن يمر عبر التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254.
رغم ذلك، يبدو أن دواعي التوصل إلى حل ينهي عزلة سوريا أصبحت أكبر من أن تعوقها اعتراضات واشنطن أو الدوحة. ما بدا حتى وقت قريب شبه مستحيل، قد يتحقق.
الجهود التي تبذلها واشنطن لإقناع الدول الراغبة بتطبيع علاقاتها مع دمشق بالعدول عن قرارها مصيرها الفشل، بعد أن خبرت تلك الدول، عن قرب، فشل السياسات الأميركية التي انتهجتها واشنطن في المنطقة، وعدم رغبتها في توظيف قدراتها لردع النظام الإيراني وإجباره على التراجع عن سياساته العدوانية تجاه دول المنطقة.
هناك قناعة أن بشار الأسد ربح عمليا الحرب التي اندلعت في سوريا منذ عام 2011، وكانت قطر وتركيا طرفين رئيسيين في تصعيدها، وإن لم تكن هناك أيّ ضغوطات على دولة قطر للاتجاه نحو تطبيع علاقاتها مع دمشق، إلا أن الأمر مختلف مع تركيا، وهو ما سيضع مزيدا من الضغوط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتوصل إلى اتفاق مع الأسد، حتى لا يجد نفسه يغرد بعيدا عن السرب.
على العكس من أردوغان، لا يبدو الأسد في عجلة من أمره للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات قبل أن توافق تركيا على وقف كافة أشكال الدعم الذي تمنحه لفصائل معارضة سورية محسوبة عليها، وأخرى جهادية في إدلب. وهو ما يتطلب تعريفا للإرهاب متفقا عليه من قبل الطرفين (السوري والتركي)، ليشمل إلى جانب الحركات الكردية فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، يتبعه انسحاب تركي من المناطق التي دخلتها الجيوش التركية، أو إقرار جدول زمني ملزم لإتمام عملية الانسحاب.
المعجزات تحدث.. أما المعجزة التي سيصعب تحقيقها فهي إعادة الملايين من المهجرين إلى ديارهم. هذا لن يحدث إلا بزوال مشاعر العداء والانقسام والفرقة من صدور السوريين
ويناور أردوغان الذي أبدى استعدادا لقبول الشروط السورية، لتوسيع اتفاقية أضنة (20 أكتوبر – تشرين الأول 1998) لتشمل حق التوغل في الأراضي السورية إلى عمق 30 كيلومترا، بدلا من 5 كيلومترات، لتعقّب الفصائل الكردية المناوئة لأنقرة. وتعمل روسيا على لعب دور الضامن بين الطرفين والتقريب بينهما.
واضح أن سوريا اقتربت من حل الجزء الصعب – قادت إلى ذلك التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم – دون أن تبذل دمشق أيّ جهود تذكر، لتبقى المهمة الأصعب، حتى لو اتفق الجميع على نسيان ما مضى، هي إعادة بناء ما دمرته فترة 11 عاما من الاقتتال، وانتشار الأوبئة (كورونا وكوليرا)، والجفاف، وما أكمل عليه الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا.
قد تتمكن سوريا من إعادة إعمار البنية التحتية (قدّر البنك الدولي كلفة إعادة الاعمار بـ7.9 مليار دولار) وذلك بمساعدات من دول عربية، ويتمكن مهنيو مدينة حلب وتجار العاصمة دمشق من بعث الصناعة والتجارة من جديد، ويتمكن فلاحو منطقة الجزيرة من تحقيق فائض من حصاد الحبوب والقطن، ويتمكن مزارعو سهل الغاب والساحل السوري من إنتاج فائض من الخضار والفاكهة والزيتون والسكر.
المعجزات تحدث.. وقد تحدث هذه المعجزة. أما المعجزة التي سيصعب تحقيقها فهي إعادة الملايين من المهجرين إلى ديارهم. هذا لن يحدث إلا بزوال مشاعر العداء والانقسام والفرقة من صدور السوريين.
ما تحتاجه دمشق هو سياسة تطبيع، ليس مع دول الجوار فقط، بل الأهم من ذلك مع السوريين أنفسهم. فلم نسمع حتى هذه اللحظة ما يشير إلى أن دمشق لديها خطة من هذا القبيل.
بعد خمسة أيام يجتمع العرب في الرياض، وقد يتم الاتفاق فيما بينهم على عودة سوريا إلى الحضن العربي. فهل هناك مؤتمر للتطبيع بين الأطراف السورية يعيد السوريين إلى الحضن السوري؟
نعم، صحيح أن سوريا اقتربت من حل الجزء الصعب.. ولكن بقى الجزء الأصعب.
علي قاسم – كاتب سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة