حقيقة أن الميليشيات وحلفاء إيران الآخرين شهدوا زيادة في مخصصاتهم في الميزانية العراقية الأخيرة تشير إلى أن تلك الجماعات تكتسب نفوذا.
تمويل الميليشيات يقوي شوكتها
يوشك العراق على الموافقة على ميزانية تخصص 2.8 مليار دولار للميليشيات الشيعية المعروفة باسم وحدات الحشد الشعبي، بزيادة قدرها 600 مليون دولار عن الميزانية السابقة في عام 2021.
وستسمح الأموال الحكومية الإضافية لوحدات الحشد الشعبي، التي تضم كتائب حزب الله الموالية لطهران، وجماعات أهل الحق (المعروفة أيضا باسم شبكة الخزعلي)، وكتائب الأشتر المدرجة على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية الأجنبية، بمضاعفة صفوفها تقريبا من 122 ألفا إلى 238 ألف عنصر.
ولا يمكن تفسير تلك الزيادة في التمويل، حيث أن وحدات الحشد الشعبي تشكلت للقضاء على داعش، والتي هي تحت السيطرة الآن. ومع عجز سنوي يقترب من 50 مليار دولار، وقيام بغداد بزيادة الضرائب لتغطية نفقاتها، فإن الأمر الأكثر إثارة للحيرة هو أن العراق لا يزال يمول قوة شبه عسكرية تعادل ميزانيتها 40 في المئة من ميزانية وزارة الدفاع العراقية، وحجمها أكبر من الجيوش النظامية للدول المجاورة، مثل الأردن والكويت.
إذن، فلماذا يقوم العراق الذي يعاني من ضائقة مالية بتمويل المنظمات الخاضعة للعقوبات الأميركية؟ الجواب له شقان:
من المحتمل أن يكون التصعيد ضد السوداني مدفوعا برفض رئيس الوزراء الوقوف إلى جانب الميليشيا الموالية لإيران في مواجهتها في البوعيثة
أولا، بعد انهيار الجيش الوطني بسبب داعش في الموصل عام 2014، أصبحت الثقافة العسكرية العراقية موبوءة بالفساد، حيث اشترى الضباط مناصبهم واستخدموا الوحدات “كشركات ذات إيرادات مستقرة”، وفقا لأحد التحليلات في ذلك الوقت.
على سبيل المثال، أبقى الضباط أخبار المركبات المعطلة سرا لمواصلة تلقي الأموال للوقود، وفرضوا ضرائب على رواتب الجنود الذين خدم الكثير منهم من غرف معيشتهم المريحة، وفي الواقع، هناك في كشوف رواتب العسكريين ما يصل إلى 50 ألف “جندي وهمي” و300 ألف “موظف وهمي”، أي ما يعادل 10 في المئة من القوى العاملة في القطاع العام.
ويشير إرث الجنود والموظفين الوهميين إلى أن أفراد وحدات الحشد الشعبي الجدد يمكن أن يكونوا في الأساس “رجال ميليشيات وهميين”، وسيفسر ذلك دور وحدات الحشد الشعبي في غسيل الأموال نيابة عن الحرس الثوري الإيراني.
وتصرف رواتب مقاتلي الحشد الشعبي والموظفين الوهميين بالدينار العراقي. ويقوم الحرس الثوري الإيراني وأتباعه العراقيون بتحويل تلك الأموال إلى دولارات أميركية في المصارف العراقية الصغيرة ومحلات الصرافة.
وهناك نقص في المعروض من الدولارات داخل إيران بسبب عقوبات واشنطن، وتستبدل متاجر العملة العراقية دنانيرها بالدولار في المزاد اليومي للبنك المركزي العراقي، الذي ينفق ما معدله 250 مليون دولار نقدا يوميا.
وهكذا، وعلى الرغم من فائض بغداد من الدولارات الذي يزيد عن 29 مليار دولار من عائدات النفط، فإن الدينار العراقي يكافح باستمرار أمام الدولار الأميركي، ومن المرجح أن تجد معظم هذه الأموال طريقها إلى إيران.
والسبب الثاني الذي يدفع طهران إلى إجبار بغداد على تمويل وحدات الحشد الشعبي هو أنه من بين 67 كتيبة (كل كتيبة هي ميليشيا خاصة بها)، هناك 43 كتيبة موالية للنظام الإسلامي الإيراني وساعدت طهران على سحق الاحتجاجات السلمية بقبضة من حديد، ويعتقد أن الموالين لإيران في العراق حاولوا قتل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، واغتالوا نشطاء مناهضين لإيران.
كما شارك الموالون العراقيون لطهران في عمليات خطف للحصول على فدية وتزوير سندات الملكية، ومن المرجح أيضا أن تكون وحدات الحشد الشعبي متورطة مع الميليشيات الشقيقة في لبنان وسوريا في تجارة الكبتاغون، وهو مخدر رخيص يحقق أرباحا هائلة.
رغم أن فائض بغداد من الدولارات يزيد عن 29 مليار دولار، فإن الدينار العراقي يكافح باستمرار أمام الدولار الأميركي، ومن المرجح أن تجد معظم هذه الأموال طريقها إلى إيران
وكما استحوذ حزب الله اللبناني على مساحات شاسعة من الأراضي واشتبك مع اللبنانيين غير الشيعة على العقارات، فإن كتائب حزب الله العراقية تستخدم الممتلكات لتعزيز موقفها. وفي الشهر الماضي اشتبكت كتائب حزب الله في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة العراقية التي استجابت لمكالمة من مالك أرض في البوعيثة جنوب بغداد.
وكان مالك الأرض يزرعها عندما حاولت الميليشيا منعه، مدعية ملكية الأرض، حتى أن كتائب حزب الله زعمت أنها نزعت سلاح العراقيين السنة – الذين يزعم أنهم من مقاتلي داعش – لتهريبهم المخدرات في المنطقة.
وتمكنت الشرطة في نهاية المطاف من محاصرة رجال الميليشيا والمطالبة باستسلامهم. وبعد إجراء بعض المكالمات الهاتفية أفرج عن عناصر كتائب حزب الله دون توجيه تهم إليهم أو اعتقالهم، على الرغم من التقارير التي تفيد بأن الاشتباك أسفر عن مقتل ضابطي شرطة.
وبسبب غضبها من تعطيل الشرطة الفيدرالية للعملية، اتهمت ميليشيا أهل الكهف الموالية لإيران رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني “باتباع أهواء اليهود والدفاع عنهم وتقديم الخدمات لهم”. وأضافت الميليشيا أن “من يؤمن بولاية القائد الإمام” المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي “عليه أن ينصاع لرغبات القائد ويطرد الأميركيين من العراق”.
من المحتمل أن يكون التصعيد ضد السوداني مدفوعا برفض رئيس الوزراء الوقوف إلى جانب الميليشيا الموالية لإيران في مواجهتها في البوعيثة. وكثيرا ما استخدمت الميليشيات هذه المنطقة لتخزين الأسلحة وإطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء، وهي المنطقة المحصنة للحكومة في بغداد.
وتدرك واشنطن أن وحدات الحشد الشعبي تقوض العراق. وقالت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي ذلك في مقابلة الشهر الماضي، مما دفع كتائب حزب الله إلى الرد باتهام السوداني بتوظيف مساعدين هم دمى في يد واشنطن. واعتبر هذا التعليق بمثابة انتقاد لوزير الداخلية عبدالأمير الشمري، وهو رجل عسكري محترف معروف باشتباكه مع الميليشيات لفرض القانون والنظام وسيادة الدولة.
لكن حقيقة أن الميليشيات وحلفاء إيران الآخرين شهدوا زيادة في مخصصاتهم في الميزانية العراقية الأخيرة تشير إلى أن تلك الجماعات تكتسب نفوذا، ويجب على الولايات المتحدة تمكين حلفائها العراقيين من الوقوف في وجه ميليشيات طهران ووقف فسادها وتوسعها.
حسين عبدالحسين – باحث في شؤون الشرق الأوسط – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة