وقع لبنان في مصيدة حزب الله بحيث صار البعض يردد حائرا “إما حزب الله وإما لبنان. لا يمكن أن يتعايش الاثنان” ولكن أين هو لبنان؟
لا يحتاج الأمر إلى تحقيقات مطولة. ما حدث في ميناء بيروت كان جريمة ارتكبها حزب الله. كيف نطمئن إلى حال العدالة؟ لا يبدو القضاء اللبناني في وضع مريح. إن لم نتحدث عن الفساد سيطول حديثنا عن التسييس. كل شيء في لبنان مسيس. ولكن لمصلحة مَن؟
اخترق حزب الله كل مؤسسات الدولة اللبنانية حتى بدا الحديث عن دويلة الحزب مجازا غير واقعي. لحزب الله دولة داخل الدولة. الْتهَم الحزب الموالي لإيران مؤسسات الدولة اللبنانية. صار من الصعب أن يُشار إلى لبنان إلا باعتباره دولة حزب الله. ذلك ما صار متعارفا عليه في الأوساط السياسية العالمية.
حين فُرضت عقوبات على حزب الله فإن لبنان صار مشمولا بتلك العقوبات.
لم تتمكن المؤسسات المالية الدولية من التعامل بوضوح مع لبنان لإنقاذه من أزمته المالية العصيبة لأن حزب الله لا يوافق على شرط الشفافية في عمل المصارف اللبنانية فانهارت المفاوضات.
دخلت التحقيقات في ما يتعلق بالانفجار العظيم الذي دمر نصف بيروت التاريخية في متاهة “كتابنا وكتابكم” لأنه لا أحد يجرؤ على الكشف عن المالك الحقيقي للمخزن رقم 12 الذي كان مخصصا لأطنان نترات الأمونيوم التي كانت سببا للانفجار. الكل خائفون من أن يلتفتوا إلى المالك الحقيقي أو يشيروا إليه وليست هناك جهة في لبنان تُخيف سوى حزب الله.
وحين أسقط الانفجار حكومة حسان دياب التي كان يُشار إليها باعتبارها حكومة حزب الله رفض زعيم الحزب حسن نصرالله فكرة أن تحل محلها حكومة محايدة. فلبنان بلد تحكمه الأحزاب أي يحكمه حزب الله وملحقاته الطائفية.
ما قيل عن حياد لبنان اعتبر اعتداء على حزب الله. فلبنان كما قرر الحزب هو بلد غير محايد ولن يكون إلا كذلك. تلك هي إرادة الحزب ولن يتمكن أحد من ثنيها. حتى لو كان ذلك الأحد زعيما دينيا يجله مسيحيو لبنان ويحظى باحترام العالم وله كلمة في الفاتيكان.
اللبنانيون لا يحتاجون إلى أدلة يبرهنون من خلالها على أن حزب الله هو السبب في خراب بلدهم وانهيار دولتهم وتفكك مؤسساتهم الشرعية
كان واضحا منذ سنوات أن نصرالله زعيم الحزب يتعامل باستخفاف مع سائر الطوائف اللبنانية ولم يستثن من ذلك الاستخفاف زعماء تلك الطوائف الذين صار نصرالله ينظر إليهم بتعال وصار بعضهم جزءا من الجمهور الذي يلقي عليه خطاباته من خلال الشاشات.
ولقد وصلت الأمور إلى ذروة وضوحها حين فرض حزب الله الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية وصار عون مجرد مستخدم لدى حزب الله وكرت السبحة بعد ذلك، بحيث صار الحزب مسؤولا عن تعيين رئيس الحكومة واختيار وزرائه الذين لم يكن أحد منهم ليجرؤ على الخروج عن الخطاب الرسمي الذي هو خطاب حزب الله.
وقع لبنان في مصيدة حزب الله بحيث صار البعض يردد حائرا “إما حزب الله وإما لبنان. لا يمكن أن يتعايش الاثنان” ولكن أين هو لبنان؟ لقد سحق حزب الله لبنان حين استعمله وسيلة للوصول لغاياته التي هي جزء من المشروع التوسعي الإيراني.
كانت عمليات الفساد وبالأخص على المستوى المالي والتي يمارسها الحزب تمر من خلال مؤسسات الدولة وهو ما أوقع المصارف اللبنانية في شبهة ممارسة عمليات غسيل الأموال. عن طريق النشاط غير الشرعي الذي كان الهدف منه تزويد إيران بالعملة الصعبة نجح الحزب في تدمير النظام المصرفي ومحو ثقة العالم بلبنان على المستوى المالي.
لا يحتاج اللبنانيون إلى أدلة يبرهنون من خلالها على أن حزب الله هو السبب في خراب بلدهم وانهيار دولتهم وتفكك مؤسساتهم الشرعية. كل شيء واضح للعيان. لقد تم استضعافهم عبر سنوات الخواء التي تلت الانسحاب السوري حيث عمل الحزب على أن يملأ الفراغ من خلال حرب 2006 مع إسرائيل التي هُزم فيها وتكبد لبنان بسببها خسائر مادية وبشرية هائلة.
بعد تلك الحرب صارت المقاومة عبئا على لبنان واللبنانيين وهو ما دفع الحزب إلى تعبئة ترسانته بالأسلحة الإيرانية لا استعدادا لحرب جديدة مع إسرائيل بل استقواء على لبنان واللبنانيين.
ولطالما نادى اللبنانيون بنزع سلاح “المقاومة” الذي صار يخيفهم ويهدد السلم الأهلي غير أن نداءاتهم كلها ذهبت هباء فضاع بلدهم الذي صار في عهدة الشياطين.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة