ما قام به النظام السوري من خلال الترتيب لزيارة وفد من حماس إلى دمشق كان خطوة استدراج مكنت الأسد من رد الصاع صاعين ومن وضع الحركة في موقف أخلاقي لا تحسد عليه.
في موقف لا تحسد عليه
في تشرين الأول – أكتوبر من العام الماضي وعندما أرسلت حركة حماس آنذاك وفدا إلى دمشق لتعلن عن عودة المياه إلى مجاريها مع النظام السوري كنت قد نشرت مقالا بعنوان “مصالحة شكلية بين الأسد وسوريا أمام عدسات الكاميرا”، توقعت حينها أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يسامح من قفز من السفينة مبكرا، وجزمت بأن العلاقات بين النظام السوري وحركة حماس لن تعود إلى سابق عهدها، وهو كلام ينطبق تماما على ما جاء به الرئيس السوري في حواره الأخير مع إحدى القنوات العربية. ولنكن منصفين حتى وإن كنا معارضين لسياسة الأسد ونظامه، فإن الرجل كان مباشرا في حديثه، ولم يلتف على سؤال المذيع عندما وصف الموقف الحمساوي مما جرى في بداية الأحداث “بالغدر والنفاق”، ويؤكد بأن حبال الود قد قطعت وأن مكاتب دمشق ستبقى مغلقة بالشمع الأحمر.
حماس التي بررت خروجها من دمشق بموقفين متضاربين جمعا بين صبغة الحياد الرمادي ودعم الثورة، حسمت موقفها من منطلق أن سقوط النظام السوري سيكون تباعا لسقوط أنظمة تونس ومصر وليبيا التي عمرت طويلا بفضل سياسة القبضة الأمنية الشديدة. كان منطقيا أن تدعم الحركة موجة التغيير الذي أتى به الربيع العربي لما فيه من فرص ثمينة لتيار الإخوان في التمدد داخل العالم العربي. لا يخفى أيضا أن الحركة قد قبضت ثمن موقفها بدعم سخي من قطر وتركيا اللتين استثمرتا في خروج حماس من سوريا، تقديرا منهما بأن هذا الخروج سيكون له وقع خاص على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في سوريا والعالم العربي، عندما يسوق فصيل فلسطيني مقاوم لإسرائيل لدعم الثورة ولسقوط الأسد، ليفقد النظام السوري ورقة القضية الفلسطينية التي بإمكانها أن تدعم رواية المؤامرة الصهيونية لإسقاط سوريا.
هل ستستخلص حماس الدرس من صفعة الأسد وتفهم أنه لا مجال لها للعودة إلى دمشق، أم أنها ستستمر في تبرير خطيئتها وكأن شيئا لم يكن؟
خرجت حماس من دمشق على أمل العودة في مشهد جديد يكون فيه نظام الأسد جزءا من الماضي، ولكنها لم تضع في الحسبان أن دخول روسيا على الخط كان كفيلا بأن ينقذ الأسد من السقوط وأن يقلب المعادلة رأسا على عقب. ومع ذلك بقي الجناح الإخواني مترددا في الاعتراف بالخطأ الذي وقع فيه في سوريا خشية أن يخسر دعم القطريين، عكس الجناح العسكري الذي حافظ على علاقات طيبة مع إيران ولم يدعم موقف المكتب السياسي تجاه سوريا. لكن محاولات التقارب المدعومة من طهران في 2017 كانت قد باءت بالفشل ولم يستجب النظام السوري لخطاب الود الذي حاولت بعض القيادات في حماس أن تسوقه في خرجات إعلامية عديدة، وجاءت الردود الرسمية بما لا تشتهي حماس إذ لم يبد النظام السوري تجاوبا إيجابيا مع الحركة، وراح يذكر في العديد من المرات بموقف الحركة “الغادر” عبر رسائل مشفرة نشرتها الصحف المقربة من النظام والتي استعملت في العديد من المرات مصطلح “الخيانة” في وصفها لما حصل.
التساؤل الذي يطرح نفسه بعد كل ما جاء في كلام الأسد من اتهامات مباشرة لحماس بالغدر والنفاق، هو عن غياب الرد والتعقيب الذي من المفترض أن تدافع به الحركة عن نفسها ضد تهم الأسد التي نشر فيها الغسيل الوسخ أمام الملأ. أليس السكوت عن مثل هذه التهم هو في حد ذاته إقرار واعتراف بالخطيئة، أم أن قادة الجناح العسكري في حماس قد اختاروا ألّا يدفعوا الأمور نحو تراشق إعلامي سيكشف عن الانقسام الموجود داخل بيت الحركة حول خيار المصالحة مع النظام السوري من عدمه، والأكيد أن الذين تحفظوا عن قرار المصالحة مع دمشق قد كانوا متوقعين لردة الفعل السورية ومدركين بأن التوبة عن قرار دعم الثورة وإسقاط النظام لن تشفع لحماس بالعودة إلى مقرها في دمشق، دون إغفال ما سيترتب عن هذه المصالحة من امتعاض قطري سيهدد بمراجعة الدعم المالي للحركة.
يمكن اعتبار ما قام به النظام السوري، من خلال الترتيب لزيارة وفد من حماس إلى دمشق، خطوة استدراج مكنت الأسد من رد الصاع صاعين، ومن وضع الحركة في موقف أخلاقي لا تحسد عليه عندما وصفها الأسد بأنها حركة “تدّعي المقاومة”.. فهل ستستخلص حماس الدرس من صفعة الأسد وتفهم أنه لا مجال لها للعودة إلى دمشق، أم أنها ستستمر في تبرير خطيئتها وكأن شيئا لم يكن؟
فاضل المناصفة – كاتب فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة