لقد تمت تصفية الثورة السورية ومعها انتهى دور المعارضة. لم تعد هناك معارضة يمكن الوثوق بها لكي تكون بديلا للنظام في حال اتجهت الأمور إلى إقامة انتخابات ديمقراطية.
إذا ما سقط النظام السوري وهو أمر غير محتمل الوقوع، هل سيكون ذلك الحدث الذي يمكن أن يرافقه سقوط كل الأعمدة التي يستند عليها هيكل الدولة السورية مناسبة لوصول معارضي النظام إلى الحكم؟
سوريا ليست العراق لذلك فإن السيناريو لن يكون نفسه.
ما يعرفه سوريو الشتات أن المعارضة السياسية الحقيقية تم استبعاد أهم شخصياتها وأكثرها نزاهة وحرصا على مستقبل سوريا في وقت مبكر من الحرب السورية التي وضعت حدّا للحراك الشعبي السلمي وتفتح حدود سوريا للتنظيمات الإرهابية التي كانت لتركيا اليد العليا في تنظيم صفوفها والإشراف على حركتها وتدريب مقاتليها.
صحيح أن المعارضة في جزء منها قد ارتضت أن تكون واجهة للدفاع عن تلك التنظيمات وإبعاد شبهة الإرهاب عنها، غير أن الوقائع كانت أكبر منها بحيث أفشلت محاولاتها لإقامة نوع من الصلح المخادع بين أهداف الثورة وما كانت تلك التنظيمات تسعى إلى إنجازه.
كان الفراق متوقعا ولم يكن ذلك الفراق ليعبّر عن حالة الغدر إلا في أضيق أوضاعها. ذلك لأن تلك التنظيمات بدأت مشاركتها في الحرب السورية انطلاقا من موقع سياسي لا علاقة له بالثورة السورية.
لا علاقة لتركيا بالثورة السورية. وإن كانت المعارضة السورية قد عقدت مؤتمرها الأول في إسطنبول فذلك لم يحدث إلا لأنها كانت مضطرة بسبب عدم وجود مكان آخر يستقبلها.
لم تكن المعارضة السورية تدرك أن ذلك الاختيار الاضطراري سيقودها في ما بعد إلى أن تستسلم لجماعة الإخوان المسلمين بعد أن تم الإعلان عن إقامة الائتلاف الوطني السوري الذي كان تأسيسه بداية لانهيار المعارضة من الداخل، حين شعر أعضاؤها أن القرار لم يعد وطنيا وأن القضية لم تعد سورية وأن السلاح لم يعد موجّها إلى النظام بل إلى سوريا والشعب السوري.
لم يجرؤ الكثيرون ممّن تركوا العمل السياسي حين غادروا صفوف المعارضة على البوح بحقيقة ما حدث. ربما فعلوا ذلك خوفا من الاغتيال أو أن بعضا منهم لا يزال يتمتع بالهبات المالية التي لا يريد أن يفقدها. غير أنهم في قرارة أنفسهم صاروا على قناعة بأنه لن يكون لهم دور في مستقبل سوريا السياسي، بعد أن أدّت حرب العشر سنوات إلى تهديم سوريا التي أحبوها وناضلوا من أجل أن ترى غدا مشرقا.
سقط النظام أم لم يسقط فإن ذلك الغد لن يأتي. لقد دُمرت سوريا وليس في الإمكان إعادة إعمارها وبالأخص بعد أن وضعت الولايات المتحدة نفسها وصية على الاقتصاد السوري بتحريض من بعض السوريين المقيمين فيها والذين تتحكم فيهم عقدة الانتقام من كل ما هو سوري بحجة كراهية النظام.
سيكون قانون قيصر الذي أصدره الكونغرس الأميركي عقبة في طريق أيّ محاولة لإنقاذ سوريا بغض النظر عمّن يحكمها.
قبل صدور ذلك القانون بسنوات خرجت القضية السورية من أيدي السوريين وصارت جزءا من لعبة أممية. فروسيا التي حسمت الموقف العسكري لصالحها تتعامل بطريقة جادة مع رغبة الأميركان في ألّا تنفرد بسوريا وهي تنظر بعين الاعتبار إلى إيران وتركيا باعتبارهما شريكين في الحل المؤقت. ناهيك عن حذرها الشديد في التعامل مع الشريك الإسرائيلي المسموح له بتوجيه ضربات انتقائية لقواعد ومعسكرات الميليشيات التابعة لإيران.
أما الحكومة والمعارضة السورية فإنهما تقعان خارج الاهتمام.
لقد تمت تصفية الثورة السورية ومعها انتهى دور المعارضة. لم تعد هناك معارضة يمكن الوثوق بها لكي تكون بديلا للنظام في حال اتجهت الأمور إلى إقامة انتخابات ديمقراطية من أجل أن ينتقل البلد من حالة الحزب الواحد إلى حالة التعددية الحزبية. ذلك حلم مستبعد في ظل ما انتهت إليه سوريا من خراب، سيكون مستقبلها مفتوحا عليه بعد الوصاية الأميركية.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة