الصراع السوري امتد لأكثر من 12 سنة مؤلمة وكان مصدر أعمال عنف واضطرابات اقتصادية ومعاناة واسعة النطاق كما شهدت السنوات الأخيرة زيادة في الظواهر المناخية القاسية في عموم البلاد.
الظروف المناخية لا تخفي مسؤولية النظام
مع اختتام مؤتمر كوب 28 في الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي، ركز المراقبون الدوليون على نتائج المحادثات حيث مصير البشرية موضوع على المحك.
من جهتهم انشغل المحللون الإقليميون بقضية ذات صلة قد تعيق الجهود المبذولة لتنفيذ أيّ خطة لإنقاذ الكوكب، ويمكن أن نعنونها “الجغرافيا السياسية للعمل المناخي”. وكانت سوريا مثالها الأول.
ومع غياب الرئيس السوري بشار الأسد عن الحدث، تقرر تكليف رئيس الوزراء حسين عرنوس بقيادة الوفد في دبي. وأكد المسؤولون السوريون أن تركيزهم الأساسي يكمن في تأمين التمويل للتكيف مع المناخ في بلد دمرته الحرب. وكان هذا مصدر قلق مشترك مع الدول الأخرى التي مزقتها الصراعات.
◙ التحديات الفنية والسياسية التي تواجه التنسيق مع النظام السوري تعني أن على التمويل المناخي أن يستهدف الهياكل المجتمعية والمدنية على المستوى المحلي
وبينما تعد معالجة التحديات البيئية في سوريا خطوة أساسية إلا أن النظر إليها في السياق الأوسع ضروري. وقد يتسبب توجيه أموال المناخ إلى نظام فاقم المشاكل البيئية الموجودة بالفعل وخلق أخرى جديدة في تقويض جهود محاسبة المسؤولين. كما قد يمنح بعض الجهات فرصة إساءة استخدام أموال المناخ.
ويشكل فساد النظام الموثق وتلاعبه بتمويل المساعدات والتنمية خطرا كبيرا على جهود التخفيف. ويجب أن يشترط أيّ تمويل لسوريا ضمانات بعدم إعادة توجيه الأموال.
الصراع السوري امتد لأكثر من 12 سنة مؤلمة. وكان مصدر أعمال عنف وحشية، واضطرابات اقتصادية، ومعاناة واسعة النطاق. كما شهدت السنوات الأخيرة زيادة في الظواهر المناخية القاسية في سوريا. وشملت درجات حرارة شديدة الارتفاع، وحرائق غابات مدمرة، وموجات جفاف، وعواصف رملية متواصلة.
وزادت هذه الكوارث المتصاعدة من حيث تواترها وشدتها من تعرض البلاد لتأثيرات تغير المناخ. واحتلت سوريا المرتبة 146 من أصل 181 دولة على مؤشر مبادرة نوتردام للتكيف العالمي، وهي من بين الدول الأكثر تضررا من أزمة المناخ. ويؤكد هذا التصنيف الضعف الشديد الذي تعاني منه سوريا ومحدودية قدرتها على الصمود في مواجهة تأثيرات الطقس الشديدة.
لكن يجب ألا تخفي هذه الظروف الصعبة مسؤولية النظام السوري عن دفع البلاد نحو هذه النقطة الحرجة. وكانت سياسات النظام على مرّ العقود مباشرة وراء تفاقم مجموعة من التحديات البيئية، كندرة المياه، وتدهور التربة، وتلوث الهواء.
الوضع تدهور أكثر في أعقاب الانتفاضة التي بدأت سلمية خلال 2011. وردد تقرير أصدره قاضي المحكمة الجنائية الدولية السابق هوارد موريسون في نوفمبر 2023 هذه المخاوف، واتهم نظام الأسد بالتسبب في دمار بيئي واسع النطاق تشهده سوريا حاليا.
◙ رغم الحاجة إلى التركيز المتزايد على الصراع والمناخ الذي شهدته قمة كوب 28، إلا أن النتائج لن تتحقق دون التدقيق في الكيانات التي تتلقى الدعم
ويُذكر على سبيل المثال أن حملات القصف المتواصلة واستخدام النظام المتكرر للأسلحة الكيمياوية قد فاقما الدمار البيئي. وأصبحت المدن مدفونة تحت الأنقاض الخطرة التي تشكل مخاطر بيئية وصحية كبيرة.
تقرير موريسون، الذي صدر قبل انعقاد مؤتمر كوب 28، يؤكد أيضا على استهداف الأسد لصناعة النفط. وكانت الضربات المتعمدة سبب حرائق كبيرة وتسربات نفطية دمرت الأراضي المزروعة بما خلق أزمات صحية من أبرزها مشاكل الجهاز التنفسي التي يعاني منها المتضررون.
كما أبرز التقرير كيف دمرت تكتيكات الحرب التي اتبعها الأسد إمدادات مياه الشرب النظيفة ولوثت مصادر المياه الجوفية. وحدد أن الحرب كانت سبب تقلص الغابات السريع في سوريا، وهو ما ضاعف مخاطر الفيضانات وقوض التنوع البيولوجي.
لذلك، توسيع نطاق تمويل المناخ ليشمل النظام السوري سيعرقل جهود محاسبة الأسد، وليس هناك ما يؤكد أنه سيحقق تأثيرا كبيرا بعد كل ما حدث.
وليست سوريا البلد الوحيد الذي يشهد هذا التناقض المناخي. وتتعدد البلدان التي تبقى في حاجة إلى تمويل مساعي تكيفها مع المناخ والتخفيف من آثاره. ويعد السودان من بينها، وهو يشهد حربا أيضا. وكثيرا ما تساهم التحديات المناخية، مثل نقص المياه وتدهور التربة، في تفاقم الصراعات.
لكن سجلّ التمويل في سوريا مختلف وصارخ. ويُتّهم النظام بتوجيه المساعدات انتقائيا إلى المناطق الموالية، والتلاعب في أسعار صرف تحويلات المساعدات، والمساس بإجراءات التوريد. كما أن القيود التي يفرضها على حرية الوكالات الدولية التشغيلية تعيق تقييم الاحتياجات ومراقبتها بشكل مستقل، مما يجعل هذه الهيئات معتمدة على البيانات المقدمة من الكيانات التابعة للنظام.
◙ قد يتسبب توجيه أموال المناخ إلى نظام فاقم المشاكل البيئية الموجودة بالفعل وخلق أخرى جديدة في تقويض جهود محاسبة المسؤولين
ومن المتوقع أن يزيد الفساد الهيكلي داخل مؤسسات الدولة السورية من تعقيد تمويل المناخ حتى لو تمكن الممولون من تجاوز انتهاكات الماضي. ويقوض الفساد المستشري فعالية تمويل المناخ والإصلاحات الأساسية الحيوية في مساعي معالجة تحديات الحكم في سوريا.
ورغم الحاجة إلى التركيز المتزايد على الصراع والمناخ الذي شهدته قمة كوب 28، إلا أن النتائج لن تتحقق دون التدقيق في الكيانات التي تتلقى الدعم. ويجب أن يتضمن التمويل المرتبط بالمناخ، مثل أيّ تمويل موجّه إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، ضمانات تخفف من مخاطر الفساد وتؤكد العمل المناخي دون التسبب في تفاقم المشاكل التي تعاني منها سوريا بالفعل.
وتعني التحديات الفنية والسياسية التي تواجه التنسيق مع النظام السوري أن على التمويل المناخي أن يستهدف الهياكل المجتمعية والمدنية على المستوى المحلي. وتتمتع هذه الكيانات بالمهارات والاهتمام الحقيقي بتحسين الظروف في مناطقها.
وينبغي في المقابل تجنب التعامل المباشر مع النظام السوري ما أمكن ذلك، خشية أن يمكّن العون غير المشروط الذي يوفره المجتمع الدولي استغلال الأسد لقضية حاسمة أخرى لتأمين بقائه السياسي. ورأينا بالفعل ما يمكن أن يفعله بأقل قدر من الدعم. ولتداعيات المساعدة هذه المرة عواقب عالمية.
حايد حايد – صحفي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة