عودة سوريا إلى الحضن العربي شعبياً والجامعة العربية رسمياً تواجه عدة عقبات بعد عقد من الحرب جعل البلاد ساحة مفتوحة للجميع غاب عنها العرب وهيمنت عليها إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.
ومع تزايد الأصوات العربية بضرورة دور عربي لإنقاذ سوريا من الضياع تبقى المعطيات السورية كما هي، فالنظام السوري وتصرفاته التي سببت تجميد عضوية سوريا هي نفسها اليوم، وعقلية النظام التي رحبت بإيران لتنقذه هي نفسها اليوم، ونزعته المتكبرة ورفضه تقديم أيّ تنازلات للسورين والعرب هي نفسها اليوم.
ما تغير في سوريا هو مشهد الدمار الذي فكك المجتمع السوري وحطم بنيته التحتية وجعلها مسرحاً للميليشيات التركية والإيرانية والعزلة بعيداً عن الحضن العربي.
ا شك أن العرب لم يتركوا سوريا ولن يتخلوا عنها بينما رفض النظام السوري أيّ تعاون مع الجامعة العربية في إيجاد أيّ حل، حتى لو كان رمزياً.
العرب دائما يبدون رغبة ويعملون لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكن هل قدّم النظام السوري طلباً بالعودة كما تقتضيه الإجراءات الرسمية. هل بادل النظام العرب هذه المودة والاستعداد أم أنه رد بأن على العرب أن يعودوا إلى سوريا لا أن تعود سوريا إليهم.
لا بد من دور عربي ينقذ سوريا من نفسها ومن العقلية التي عمّقت الأزمة سواء من النظام أو المعارضة، ولا بد من دور عربي جاد ينقذها من ورطتها وكثرة اللاعبين ممن اقتصرت أدوارهم في الداخل السوري على الحرب والدمار والأجندات الإيرانية والتركية بطموحات طائفية وعرقية وإرهابية.
لا بد من حلّ عربي ينقذ سوريا ويتوّج بعودتها إلى الجامعة العربية، ودون الحل الذي يسبق العودة فلن يسمح النظام السوري بأيّ دور عربي جاد.
فعقلية النظام اليوم لا تختلف أبداً عمّا كانت عليه أثناء الحرب، وخصوصا أن سوريا اليوم مفقودة الإرادة، وعودتها إلى الجامعة العربية تتطلب الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الإقليمية والدولية وحجم ما يمكن تقديمه عربياً وإمكانيات الحل.
فالنظام السوري أمام نفوذ إيراني مطلق وضغوط أميركية شديدة عبر عدة ملفات أبرزها قانون قيصر الذي يجعل صعوبة عودة سوريا إلى الجامعة العربية أشد من ذي قبل.
فالحل العربي سيواجه تعنتا إيرانيا وعرقلة أيّ محاولات عربية تضعف من نفوذها في سوريا، وضغوطا أميركية على عودة النظام السوري قبل أيّ حل سياسي يشارك فيه الروس والأميركان معاً.
ودون حل سياسي بين السوريين يشارك العرب فيه لن تنتهي القصة، كما أنها لن تنتهي بمجرد قرار بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
تزداد الضغوط الغربية اليوم على حلفاء النظام أكثر من أيّ وقت، ومحاولة روسيا الالتفاف على هذه الضغوط بدعوة الدول العربية لإعادة النظام السوري لن تكون الحل النهائي.
كما أن الوعود الروسية بأن عودة العرب إلى سوريا ستضعف الإيرانيين والأتراك لا يوجد ما يدعمها بالمطلق على الأرض. فتركيا لم تستطع الدخول المباشر إلى سوريا دون الغطاء الروسي وليس الأميركي. وإيران ما كان لها أن تصمد وتتمدد في سوريا لولا دخول الروس في الحرب السورية.
الحل العربي لسوريا يجب أن يضع الجانبين الروسي والأميركي أمام التزاماتهما وفقاً للقرارات الأممية لإخراج كل الميليشيات الموجودة في سوريا، فلا حل في هذا البلد وهناك ميليشيات تمارس سلطاتها وكأنها دولة مستقلة داخل دولة منهكة.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضرورة تتطلب جهداً عربياً للمشاركة في صياغة مستقبل البلاد ليس شكلياً، بل عملياً.
أما إذا كان الهدف إجرائيا فقط عبر رفع قرار تجميد العضوية لسوريا، فلن يتغير الوضع والتوازنات. ولن تهرع الميليشيات التركية والإيرانية للخروج من سوريا ولن تُرفع العقوبات الأوروبية والأميركية. لا بد أن يضع العرب سوريا على سكة الحل للوصول إلى الجامعة العربية.
غسان إبراهيم- إعلامي سوري- عن صحيفة العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة