دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – عندما يبدأ الغزو الروسي لفنلندا

انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي، ومن بعدها السويد على الأرجح، سوف يكون بمثابة صفعة على وجه الكونت بوتين. وبالتالي فإنه سوف يطلب المبارزة لكي يدافع عن شرفه المهدور.
هل تجازف روسيا بحرب جديدة
روسيا خاضت حروبا عدة وخسرتها. أربعٌ من تلك الحروب كانت ضد فنلندا وخسرت ثلاثا منها.
وفنلندا بلد صغير. ولا يزيد عدد سكانه عن 5.5 مليون نسمة. وهو ما قد يُغري الرئيس فلاديمير بوتين بابتلاعه. ويمكن أن يحشد من الذرائع لأجل عملية غزوه ما حشده ضد أوكرانيا. فهي كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية لنحو مئة عام، بين عامي 1809 و1917. وعندما تحين اللحظة المناسبة، فلسوف يمكن لبوتين أن يؤكد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وللمستشار الألماني أولاف شولتز أن قواته تجري تدريبات فقط على الحدود، وأنها لن تقوم بغزو فنلندا، ثم يغزوها بعد يومين من ذلك.
ولن يصعب على وزير خارجيته سيرغي لافروف القول إن هناك نازية جديدة في فنلندا يتعين على روسيا مكافحتها. إلا أن التاريخ لن يساعده كثيرا. فهذا البلد الصغير هزم جيش جوزيف ستالين في حرب العام 1940. ونكاية بالأطماع الروسية، تحالف مع ألمانيا النازية وشارك جيشها في حصار لينينغراد الشهير.
مدير وكالة المخابرات الأميركية ويليام بيرنز الذي عمل لسنوات طويلة سفيرا لواشنطن في موسكو، لا بد أنه يدرك حقيقة أن بوتين لا يستطيع أن “يخرج من الموضوع” بهذه الطريقة الساخرة
الفنلنديون أصلب عودا من غيرهم في مواجهة الروس. ينظرون إليهم على أنهم همج وبدائيون. ولو أن بوتين أرسل دباباته، على نحو ما فعل ضد أوكرانيا، بحيث صار جنوده يطلبون الطعام من الفلاحين، فمن الأرجح أن هذه الدبابات لن تعود إلى روسيا. ربما لأن الجنود الروس سيجدون طعاما أفضل، فيؤثرون الأسر على أن يعودوا للعيش أو الموت تحت قيادة سيرغي شويغو. فهذا خبير حرب منفردة على غرار الحرب في سوريا، حيث لا يواجه جيشُه جيشا آخر. ولكنه خبير خسائر جسيمة في أي حرب أخرى. وسوف يسجل التاريخ العسكري أنه أرسل رتلا من الدبابات بطول 50 كليومترا لكي يجتاح به كييف، وكان يمكن لسرب واحد من طائرات أف – 16 أن تحصده عن بكرة أبيه.
ماريا زاخاروفا تكتب الآن نصوص السخرية من المقاومة الفنلندية، لتقول إن سفينة القيادة الروسية في بحر الشمال غرقت بسبب البرد، وليس بصاروخ فنلندي، حيث كان البحارة الروس يتدفأون بذخائرهم عندما لم يجدوا حطبا.
كل شيء جاهز، إذن. روسيا قوة عظمى. يجب ألا ننسى ذلك، إلى درجة أنها تريد أن تبيع النفط والغاز بالروبل للدول “غير الصديقة”، التي لا تملك خزائنها روبلا واحدا، بينما تبيعه بالدولار للدول “الصديقة” التي تملك روبلات.
ولأنها قوة عظمى، فقد هددت بنشر أسلحة نووية على الحدود مع فنلندا، ليس لكي تطلقها ضدها، لأن الريح سوف تنقل الاشعاعات إلى روسيا، ولكن لكي تخيف بها الولايات المتحدة، التي ترتجف الآن، بعد أن تلقت من السفارة الروسية في واشنطن رسالة تحذرها من “عواقب لا يمكن التنبؤ بها”.
الرسالة كتبت بالروسية (أي بلغة الروبل) مع ترجمة بالإنجليزية، تحسبا من أن لا يعثر البيت الأبيض على مترجم.
ما لم يمكن التنبؤ به هو بوتين نفسه. كان الرجل يبدو هادئا ولطيفا. وليس أبا حروب شعواء. إلا أنه أظهر قدرته على خوض الحرب، ونكرانها في آن معا. فهي “عملية عسكرية خاصة”، وليست حربا. أما قتلى المجازر، فإنها مجرد صور مفبركة. ولقد شاهدت المخابرات الروسية أن إحدى الجثث تتحرك.
هذه المخابرات لم تر الشعب الأوكراني كله يتحرك ضد الغزو، إلا أنها رأت جثة واحدة تتحرك.
تحتاج أن تقرأ قصص بوشكين عدة مرات لكي تبلغ هذا المستوى من القدرة على السخرية.
ولكن الحرب يمكن أن تندلع ضد فنلندا، عندما تقدم طلبا لعضوية الحلف الأطلسي.
الخبراء الروس يحاولون الآن أن يحصوا عدد الدبابات التي يجب أن تحترق، قبل الوصول إلى هلسنكي. لاسيما وأن الرتل سيكون طويلا جدا. وتبلغ الحدود بين روسيا وفنلندا أكثر من 1300 كيلومتر، وهذا ما يتطلب كل كفاءات الجنرال ألكسندر دفورنيكوف التي اكتسبها في حلب.
هلسنكي يجب أن تخشى مصيرا مماثلا. المشكلة هي أن الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو يبدو أنه لا يخشى. الفنلنديون لم يسبق لهم أن خشوا من الروس. المسألة على صلة بالانطباعات العامة في العلاقة بين الشعبين. وذلك إلى درجة أن الرئيس نينيستو قال إن انضمام بلاده إلى الحلف الأطلسي لم يعد في حاجة إلى استفتاء أو استطلاع رأي رسمي. وعندما سُئل عما سيكون رد فعل بوتين، قال: إنه موضوع بين مقدم الطلب وبين الناتو، وبوتين ليس طرفا فيه.
لا يسهل على بوتين أن يجد نفسه خارج الموضوع. إنه هو الموضوع. مدير وكالة المخابرات الأميركية ويليام بيرنز الذي عمل لسنوات طويلة سفيرا لواشنطن في موسكو، لا بد أنه يدرك حقيقة أن بوتين لا يستطيع أن “يخرج من الموضوع” بهذه الطريقة الساخرة. وقد يلجأ إلى استخدام أسلحة نووية، تكتيكية على الأقل، لكي يثبت ذلك. بيرنز قال “لقد شاهدت بوتين على مر السنين وهو يتأرجح في مزيج قابل للاشتعال بين المظالم والطموح وانعدام الأمن”.
الفنلنديون أصلب عودا من غيرهم في مواجهة الروس. ينظرون إليهم على أنهم همج وبدائيون. ولو أن بوتين أرسل دباباته، على نحو ما فعل ضد أوكرانيا، بحيث صار جنوده يطلبون الطعام من الفلاحين، فمن الأرجح أن هذه الدبابات لن تعود إلى روسيا
إلا أن بيرنز نفسه لا يعرف أن بوتين يمكن أن يقف أمام أي مبارزة بالرصاص وهو يمضغ حبة كرز.
انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي، ومن بعدها السويد على الأرجح، سوف يكون بمثابة صفعة على وجه الكونت بوتين. وبالتالي فإنه سوف يطلب المبارزة لكي يدافع عن شرفه المهدور. إنه يؤمن، بحسب تأكيدات لافروف، بأن “أمن أي دولة في أوروبا يجب ألا يكون على حساب أمن دولة أخرى”.
نظرية “الأمن الجماعي” هذه، أثبتها بوتين في أوكرانيا، ولكن بالمقلوب.
الأوكرانيون يستطيعون التساؤل الآن، بعد كل ما جرى: لماذا صار أمن روسيا على حساب أمن أوكرانيا بهذه الطريقة البشعة؟
فنلندا شيء مختلف بالنسبة إلى روسيا وإلى الغرب معا. يوجد فيها شيء ساخر، سمح للغرب بأن يغفر لها التحالف مع ألمانيا النازية، مُقنعا نفسه، بأنها فعلت ذلك خوفا من روسيا السوفياتية. بينما غفرت لها روسيا السوفياتية، مُقنعة نفسها بأن “حيادها” لا يجعلها “مخلب قط” لصالح الغرب.
مخلب القط، كما تراه هلسنكي الآن، موجود في موسكو. وانضمامها إلى الأطلسي هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يوقف القط والسخرية
.علي الصراف – كاتب عراقي – العرب اللندنية

المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة