تحت الضغط التركي حاولت حكومة بغداد أن تتخذ موقفا متشددا وهو على العموم لا يتخطى الكلام الدبلوماسي الناعم ذلك ما تطلبه حكومة أربيل التي تعرف من الحقائق ما لا تعرفه حكومة بغداد.
ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تقصف فيها القوات التركية الأراضي العراقية.
ولطالما اشتكى العراقيون من وجود قواعد عسكرية تركية داخل أراضيهم. ألا تزال تلك القواعد في أماكنها؟
الحكومة العراقية لا تقوى على أن تفرض قرارا داخل أراضي كردستان، وهو الإقليم ــ الدولة المنفصلة التي يموّلها العراق من ميزانيته.
من المعروف أن كردستان (العراق) تستضيف قوات حزب العمل الكردستاني التي هي في حالة حرب مع تركيا التي تضعها في قائمة المنظمات الإرهابية.
ولأن الحكومة العراقية لا تملك أن تفرض شيئا على حكومة كردستان فإنها لم تقل رأيها بوجود قوات مسلحة أجنبية على أراضيها.
وإذا ما عرفنا أن علاقة حكومة أربيل ليست سيئة بتركيا بدليل التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وبالأخص على مستوى تصدير النفط (الكردي) من الموانئ التركية، فإن الحكومة الكردية تمسك العصا من الوسط. فهي لا تمانع بأن تكون أراضيها استمرارا للأراضي التركية على صعيد الحرب القائمة بين طرفي النزاع، الحكومة التركية من جهة ومن جهة أخرى حزب العمال التركي.
ليس من المستعبد أن يكون هناك مَن يضع خرائط قوات حزب العمل على الطاولة التركية. تركيا تعرف كل شيء ولا تحرك قواتها إلا إذا شعرت أن هناك صيدا ثمينا.
في ذلك السياق تقع الهجمة الأخيرة على مواقع في دهوك.
تحت الضغط التركي حاولت حكومة بغداد أن تتخذ موقفا متشددا. وهو على العموم لا يتخطى الكلام الدبلوماسي الناعم. ذلك ما تطلبه حكومة أربيل التي تعرف من الحقائق ما لا تعرفه حكومة بغداد.
كان أكراد العراق محظوظين يوم كانت هناك دولة وطنية. غير أن أحزابهم قفزت على تلك الحقيقة يوم انحازت إلى تدمير وحدة العراق
مصيبة بغداد تكمن في أنّ القصف وقع على أراضي دولة مجاورة. هي دولة كردستان. وهو ما تعرفه تركيا ويعرفه العالم. فإذا ذهب العراق إلى مجلس الأمن محتجّا فإن ذلك التصرّف سيكون بمثابة مزحة.
لذلك فإن الحكومة العراقية قد تكتفي بتظاهرات رثة في محيط السفارة التركية. تلك تظاهرات قابلتها قوات الأمن العراقية بعنف عير متوقع. كما لو أن الحكومة العراقية هي الأخرى تحاول لعب دور مزدوج. فهي من جهة مستاءة من القصف التركي ومن جهة أخرى لا تميل إلى إزعاج جارتها الشمالية.
ثمة سخرية من النوع البذيء تُمارس من قبل حكومتي بغداد وأربيل.
فالحكومة العراقية غير قادرة على ضبط الأحوال في شمال العراق وهو الجزء الذي يشكل دولة كردستان الذي يديره الحزبان الكرديان الرئيسيان، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني. الأول يميل إلى تركيا والثاني يميل إلى إيران وما من أحد منهما يميل إلى العراق.
نعم سقط قتلى في القصف الأخير ولكن الضجة حول ذلك القصف مفتعلة. يُراد منها امتصاص النقمة الشعبية. فليس من المعقول أن تصمت حكومة أربيل كما لو أنها تؤيد القصف كما أنه ليس من المعقول أن تغض بغداد الطرف كما لو أنها تعترف أن دهوك التي وقعت عليها الصواريخ التركية ليست جزءا من العراق.
في الأساس ليس من الطبيعي أن يستقبل العراق مجموعات مسلحة تقاتل ضد دولة جارة هو ليس في حالة حرب معها. لقد سبق للعراق أن استقبل منظمة مجاهدي خلق يوم كان في حالة حرب مع إيران.
غير أن العراق الدولة لا يملك الآن رأيا في تلك المسألة الحساسة. فهو غير قادر على فرض سلطته على أراضي كردستان التي هي في حقيقتها دولة جارة. لذلك فإنه لا يملك معلومات كافية عمّا يجري على أراضيها.
يتوهم الأكراد العراقيون أن دولتهم القائمة شمال العراق ستكون بمثابة البؤرة لقيام الدولة الكردية الكبرى، كردستان الكبرى. وهم في ذلك يكذبون على أنفسهم. فما حصلوا عليه بسبب الاحتلال الأميركي للعراق لن يتحقق في تركيا وإيران. هناك حيث يُمنع على المرء أن يُعرّف بهويته الكردية. ليست هناك قومية كردية ولا اللغة الكردية معترفا بها.
كان أكراد العراق محظوظين يوم كانت هناك دولة وطنية. غير أن أحزابهم قفزت على تلك الحقيقة يوم انحازت إلى تدمير وحدة العراق وأقنعتهم أن الانفصال الشكلي عن العراق هو الحلم الذي يبدأ معه انبعاث دولة كردستان الكبرى وهم يستيقظون منه اليوم على وقع القصف الإيراني تارة وتارة أخرى على وقع القصف التركي.
العراق في حالة حداد ولكنه يكذب في حداده. فالجريمة ارتكبها العراقيون قبل الأتراك.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة