دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – عربية إلى سوريا أم عودة سورية إلى العرب

النظام السوري قد يقبل بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية غير أنه لن يكون مسرورا بالعودة إلى الجامعة العربية التي خذلته في أسوأ لحظات غبائه وخذلت سوريا حين تعرضت للزلزال.
فتح أبواب الجامعة العربية أمام سوريا لن يستعيدها
حين طُردت سوريا من الجامعة العربية كان ذلك إجراء خاطئا حاولت دول عربية من خلاله التغطية على الفشل المبيت لمبعوثي الجامعة إلى سوريا في العثور على ثغرة في جدار النظام.
كانت تلك الخطوة بداية لقطيعة مشؤومة انزلق النظام السوري بعدها إلى أسوأ مراحل تحالفه الاستراتيجي مع النظام الإيراني بعد أن كان قادرا عبر السنوات الماضية على ضبط ذلك التحالف بطريقة متوازنة.
من الواضح أن بشار الأسد شعر يومها بأن العرب قد خذلوه حين تخلّوا عنه وهم في حقيقة ما فعلوه قد تخلوا عن سوريا. ما حدث أن الجامعة العربية قد انجرفت وراء موقف عدائي لسوريا بما جعلها عاجزة عن القيام بدور الناصح الصادق والوسيط النزيه.
طردت الجامعة العربية سوريا من حضنها غير أنها في الوقت نفسه حرمت نفسها من الوجود في سوريا. ما كان ممكنا في حدوده الدنيا صار مستحيلا حين عوقبت سوريا في محاولة لتأديب نظامها.
كانت تلك خطوة غير قانونية. فسوريا التي هي عضو مؤسس في الجامعة العربية، هي ليست نظامها السياسي فالأنظمة تتغير أما الدول فإنها باقية. أما أن يتم الدمج بين النظام والدولة فإن ذلك إنما يشير إلى القفز على المسلّمات الجامعة من أجل الإعلاء من شأن ما يُفرّق. فحين يتم الاحتكام إلى الأنظمة بسياساتها وأمزجة قياداتها فإن ذلك يعني الذهاب إلى هاوية الخلافات.
وعن طريق فشل الجامعة العربية في احتواء سوريا فقدت الدول العربية حضورها المعنوي في دمشق. وهو ما جعلها غير قادرة على أن تقول رأيا قد يكون نافعا بالنسبة إلى النظام من أجل إنهاء أزمته التي كان تخلي العرب عن سوريا جزءا من أسباب استفحالها.
الموقف السيء الذي اتخذته الجامعة من سوريا كان دافعا رئيسا لكي يندفع النظام في سوريا في اتجاه الحضن الإيراني ولو أن العرب لم يخضعوا للضغوط التي مارسها هذا الطرف أو ذاك بنوايا مبيّتة فضحها الزمن في ما بعد لكانت سوريا حاضرة في صالات الجامعة العربية وأروقتها بكل تفاصيل أزمتها ولما سقطت في هاوية الإرهاب بعد التدخل الإيراني التركي المزدوج على جبهتين متقابلتين ومتناحرتين.
بتخليها عن سوريا هُزمت الجامعة العربية من داخلها. لقد سمحت لدولة عضو ليست أساسية بأن تقودها إلى موقع يقع خارج التاريخ بالنسبة إلى الشعب لسوري الذي كان ينتظر عربا يقفون معه في محنته لا أن يهملوه بحيث تكون الطرق كلها سالكة أمام التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تم تمويلها من قبل تلك الدولة العربية الصغيرة التي حرّضت ضد سوريا.
هل ارتاح العرب يومها من الصداع السوري؟
إذا أردنا الحقيقة فإن النظام السياسي الحاكم في سوريا قد تعامل بغباء مع أزمته التي لم تكن وليدة يومها، غير أن النظام السياسي العربي ممثلا بالجامعة العربية كان هو الآخر قد أهدر فرصة عظيمة لكي يوقظ أحد أعضائه من سباته وغفلته محذرا إياه من طبول الحرب التي صارت تدق على بابه. كانت الجامعة العربية على علم لما يُخطط لسوريا بذريعة إسقاط نظامها السياسي. ولم يكن ذلك خافيا على النظام السياسي الحاكم في سوريا.
في ضوء كل تلك المعطيات فإن الجامعة العربية فقدت ما يبرر الثقة بها من أسباب حين تخلت عن سوريا، شعبا ودولة. لقد فعلتها من أجل أن تنفرد دولة عربية بعينها بالحل على الأراضي السورية. وهو حل قاد إلى عشر سنوات من الحرب المدمرة التي أحرقت الناس والحجارة ولم تبق للنظام فسحة أمل أو رجاء في لفتة عربية ذات قيمة.
الآن إذ تجري محاولات لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية يمكننا أن نتوقع أن تقابلها سوريا بالرفض. قد يقبل النظام بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية غير أنه لن يكون مسرورا بالعودة إلى الجامعة العربية التي خذلته في أسوأ لحظات غبائه وخذلت سوريا حين تعرضت للزلزال.
وهكذا يمكن القول إن عودة العرب إلى سوريا ممكنة فلا يملك النظام السياسي السوري سوى أن يرحّب بتلك العودة غير أن عودة سوريا إلى العرب تصدها عشر سنوات من الحرب القاسية التي لم يحضر العرب فيها إلا من خلال الدعم المالي الذي قدمته تلك الدولة الصغيرة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي دمرت سوريا الدولة وسلمت شعبها للقتل والنزوح والتشرد واللجوء.
لقد فقد العرب سوريا لذلك فإن استعادتها لن تتم عن طريق فتح أبواب الجامعة العربية أمامها.

فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة