الهجوم على رفح خدعة يقوم بها نتنياهو ليبقى في منصبه ويبدو في صورة المخلص لإسرائيل وربما تكون هذه الورقة الوحيدة بيده التي يلعب بها في ظل العواصف التي تهب من حوله.
إسرائيل ماضية في حربها بلا خطة ولا هدف
بينما يتناول الإعلام تسريبات عن هجوم وشيك على رفح، لا أحد يستطيع الرهان على أن الهجوم على المدينة الواقعة أقصى جنوب القطاع هو الملاذ الأخير للحرب على غزة. كما لا وجود هناك لخطة محددة حول من هجّروا من الشمال إلى الجنوب؛ هل سيعادون إلى الشمال، أم أن هناك ممرا آمنا نحو سيناء؟
في اتصال لرئيس الولايات المتحدة جو بايدن مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، طالب بايدن بضرورة وجود خطة موضوعية للهجوم على رفح. يستشف من ذلك أن لا مانع لدى بايدن من التوغل في رفح ولكن ضمن ضوابط أخلاقية. وهو ما لا تعمل به إسرائيل في شمال غزة أو في وسطها. وبالتالي الخوف من مجازر قد ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين وارد. نتنياهو ماض في الدخول إلى رفح، وهو ليس وحده، فالكل مع ذلك حتى المعارضة.
هناك انطباع تشكّل على مدى الحرب، إذا حصل وشن الهجوم على رفح يمكن القول بأن قطاع غزة كله سيصبح مدمرا، ويحتاج إعادة تعميره إلى عشرات السنين. طبعا هذا الدمار هو جزء من الأهداف التي وضعتها حكومة إسرائيل، ومن بينها إعادة قطاع غزة إلى العصر الحجري. فالاعتداء على الحجر والبشر والشجر من ضمن السياسات الممنهجة في خطتها لمحاربة حماس.
وعلى ما يبدو أن ما يتم تداوله حول خلافات بين الإدارة الأميركية وإسرائيل ليس جديا، بل ما هو إلا ذر للرماد في العيون، ومجرد فقاقيع في الهواء. إسرائيل لم تحسم المعركة حتى اللحظة، وبايدن يعي ذلك، ويصبر نفسه على أمل أن يكون الحسم في رفح. ومع ذلك حسب القناة 14 العبرية، هناك “ضوء أخضر من واشنطن للعمل العسكري في رفح. يبدو أن بدء العملية في رفح مسألة أسبوع إلى أسبوعين”.
◙ حكومة الاحتلال أمام تحد كبير هو مغامرتها في دخول رفح في ظل تكدس ما يقارب مليونا ونصف مليون نسمة في مساحة ضيقة، وهو ما ساهم في ترسيخ التوقعات بوقوع حمام دم
ويبقى العامل الأيديولوجي هو الحاضر في الدعم الأميركي لإسرائيل، وللأسف بين الأمس واليوم لاحظنا تراجعا في الموقف الأميركي. الإعلام تحدث قبل أيام معدودة عن فجوة في تفاهم بين نتنياهو وبايدن، ولكن اللقاء الهاتفي بين الاثنين يوحي بعكس ذلك. أصبحنا لا نثق بالإدارة الأميركية والتصريحات التي تخرج من هناك.
من المسائل التي وقفتُ أمامها كثيرًا، وبحثتُ عن تفاصيل دقيقة لها، ولم أجد رغم طول البحث تفصيلا مقنعا لها، ما يقال من أن نتنياهو يقول صراحة “عدم الدخول إلى رفح خسارة للحرب”، واستطاع على ما يبدو أن يقنع بايدن بخطته في رفح شريطة أن تحترم إسرائيل الضوابط الأمنية للمواطنين والحفاظ على سلامتهم. وهذا الكلام عار عن الصحة، لو كانت إسرائيل دولة أخلاقية لاحترمت نفسها في الشمال والجنوب، فضلا عن أن الحرب تدور رحاها وسط الأحياء السكنية، وتتساقط الصواريخ والمسيرات فوق رؤوس المدنيين، والأوضاع كلها كارثية لا تنبئ بخير، ولا أحد يعرف حقيقة ما يجري بالداخل كما يجب.
صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قالت إن مصر هددت بأنه إذا عبرت موجة من الفلسطينيين الحدود مع غزة، أو إذا اجتاح الجيش الإسرائيلي رفح، سيتم تعليق اتفاق السلام مع إسرائيل. وحسب الصحيفة، فإن المسؤولين المصريين حثوا نظراءهم الغربيين على إبلاغ إسرائيل بأنهم يعتبرون أي تحرك لإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء بمثابة انتهاك من شأنه أن يعلق فعليا معاهدة السلام لعام 1979. ووفقا لدبلوماسي غربي كبير في القاهرة، فإن هذا مجرد تهديد. أما مدى صلابة الموقف المصري فستثبته الأيام القادمة.
ويرى إسرائيليون أن الهجوم على رفح خدعة سياسية يقوم بها بنيامين نتنياهو ليبقى في منصبه رئيسًا للوزراء، ويبدو في صورة المخلص لإسرائيل من الهلاك. وربما تكون هذه الورقة الوحيدة بيده التي يلعب بها في ظل العواصف التي تهب من حوله، والمجلس العسكري معه في هذه الخطوة ولكن يختلف معه في اليوم التالي للحرب والرهائن. ويبقى الدخول إلى رفح هو الخيار أمام الكل في إسرائيل مع وجود ضوء أخضر أميركي حسب الاتصال بين بايدن ونتنياهو.
إذن، يمكن القول هنا إن حكومة الاحتلال أمام تحد كبير هو مغامرتها في دخول رفح في ظل تكدس ما يقارب مليونا ونصف مليون نسمة في مساحة ضيقة، وهو ما ساهم في ترسيخ التوقعات بوقوع حمام دم في عدم وجود خطة واضحة لترحيلهم من رفح، إلى جانب مغامرة نتنياهو بمحاربة حماس التي تحارب من تحت الأرض.
إسرائيل لم تحسم بعد المعركة في الشمال والوسط، وهي تحارب شبكة أنفاق دون معرفة تفاصيل هذه الأنفاق. لهذا يمكن القول إن إسرائيل ماضية بلا خطة ولا هدف، ويبقى حسمها للمعركة صعب المنال، وهو ما أكدته فايننشال تايمز نقلا عن مصدر مطلع أكد أن لا خطة محددة لدى إسرائيل في رفح وهي مرتبكة.
خلاصة القول، هناك ضوء أخضر أميركي ولكن دون خطة إسرائيلية.
فتحي أحمد – كاتب فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة