من العلوم التي أحبها وأعشق القراءة في دراساتها خاصة الحديثة، علم الاتصال الاجتماعي أو النفسي في المقام الأول. أدوات الاتصال والتواصل هي في الأساس أدوات تعبير، تعبير عما يختلج النفس من مشاعر وما يعمر الصدور والعقول من أحاسيس وآراء ومواقف وقرارات.
ليست وحدها العربية التي تحتوي لهجاتها المحكية كلمات معادة متضاربة أحيانا، فتلك ظاهرة حوتها قواميس لغات أخرى من بينها الإنجليزية. لكن اللهجات الشامية الشمالية والجنوبية كالسورية والأردنية تتضمن تعابير كتكرار كلمة ذات دلالة على هيئة تبدأ بتساؤل ويتخللها النفي بعد الإثبات: شو كورونا ما كورونا؟ تعني مثلا تشكيك أو حيرة البعض من التعامل مع جائحة كورونا أو على الأقل فيما يخص الالتزامات الفردية والجماعية بما يصدر عن جهات التوعية، وجميعها يمر عبر بوابات الإعلام بشقيه التقليدي والجديد (نيو ميديا – منصات التواصل الاجتماعي).
للأمانة، الحق كله مع الناس – عامة الناس – في الضجر من ارتباك المشهد الذي ولأول مرة أبرّئ الصحافة منه على الأقل في تحمل المسؤولية كاملة عن هذا التخبط العالمي الذي تجاوز الحدود كلها بما فيها المعرفية والصحية المتخصصة.
ما من ثابت حتى الآن في الإرشادات العامة. ما زال الكل يصول ويجول بين نظريات المؤامرة، والبعض يدخلنا في متاهات لا متناهية من التعليمات الغريبة العجيبة: إغلاق تام أم جزئي، مناعة القطيع، مناعة وعدم حصانة من يصاب بكوفيد التاسع عشر، الكمامة وأنواعها، ضارة أم مفيدة أم تقع في “منزلة بين المنزلتين” بلغة المعتزلة! حتى انتقال فيروس ووهان، فيما إن كان باللمس أم بالعطس أم بالمسطحات أم بمجرد التنفس، لم يعد محسوما علمياً.
ثمة شيء ما غير طبيعي في الأمر، “فيه إنّ” كما يقال بالعربية وريحته ريحة سمك كما يقال بالإنجليزية “فيشي”!
فلا يلام السوري يا سادة يا كرام عندما يضرب كفا بكف متسائلا: شو كورونا ما كورونا؟ ويحضرني في هذا المقام نكتة أردنية رافقت إدخال الحاسوب إلى مدارس المناطق النائية، حيث لوحظ – بحسب سردية صانعي النكات “المتخصصين” وهم في الأغلب من المشاكسين ذوي “الأجندات”، لوحظ سرعة عطب الكمبيوترات. بعد تشكيل العديد من اللجان “المتخصصة” خلص المحققون إلى أن سبب العطل لا علاقة له بأي شبهة فساد أو خلل في مصنعية الكمبيوترات، كان السبب ببساطة وفي غاية البراءة، تلقي الكمبيوترات لسيل جارف من الأسئلة الافتتاحية بالغة التعقيد! .
السؤال كان موجزا وبسيطا: شو بي ما بي؟ بلغة الآحاد والأصفار الرقمية هذا يعني مطالبة الكمبيوتر بسرد كل ما جرى من أحداث وما لم يقع منها بعد! لم يحتمل الكمبيوتر، ففقع!
وعليه، أناشد مبرمجي كورونا الرحمة بنا وأن يرسو على بر: في كورونا عندنا أم ما فيه؟ ترى قربنا “نفقع”..
الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي بشار جرار – أوغاريت بوست