حسن نصرالله احتاج أن يقوم بإعداد فيلم بإخراج سخيف لكي يجعل من فقاعاته الصوتية تبدو وكأنها “مقاومة” بينما كان يقصد القول إنها لن تقاوم ولن تفتح جبهة تُسعف جبهة غزة.
فيلم.. ولكن بإنتاج سخيف
لم يخذل حسن نصرالله الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون “وحدة الساحات” مع طائفيته وإيرانه. خذل نفسه. فضحها. وجعل من لقبه الزائف “سيد المقاومة” أضحوكة للعالمين.
الكثيرون كانوا يأملون موقفا آخر منه، يتناسب مع ظاهرته الصوتية على الأقل.
الكثيرون كانوا يأملون بأنهم أخطأوا عندما اعتبروه مجرد أداة من أدوات الدجل التي تستخدمها إيران، للركوب على ظهر القضية الفلسطينية.
بعض ذاك الأمل كان من أمل اليائس أمام الجريمة التي يرتكبها الإسرائيليون بحق الأطفال والنساء والعزل.
◙ كل ما أرادت إيران من “حزب الله” هو أن تجعله قاعدة عسكرية متقدمة لها ولكن ليس من أجل أن تحارب لتحرير فلسطين وإنما من أجل أن تحاربنا باسم تحرير فلسطين
ما سوف يعود ليتضح في مقبل الأيام، هو أن أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته الأولى إلى قطر، بعد اندلاع الحرب، أطلق سراح 6 مليارات دولار محتجزة في مصارفها لشراء امتناع “الولي الفقيه” عن التصعيد أو فتح جبهة جديدة. فامتثلت كتيبته في لبنان للصفقة.
احتاج حسن نصرالله أن يقوم بإعداد فيلم بإخراج سخيف، لكي يجعل من فقاعاته الصوتية تبدو وكأنها “مقاومة”، بينما كان يقصد القول إنها لن تقاوم، ولن تفتح جبهة تُسعف جبهة غزة، وإنها تحافظ على قواعد اللعبة وشروطها.
والقواعد إنما تعتمد على مدى التزام إسرائيل بها، وليس على فقاعاته أو ما تدّعي من مزاعم تحررية.
قال لهم: لا تتعدوا حدودنا، فلا نتعدى حدودكم. وقال: ونحن مستعدون. ويجب أن تخافوا وأن تتذكروا. هذا ما كان جوهر الهذيان كله. وجوهر هذا الجوهر هو: لكم أن تذبحوا غزة، ونحن ها هنا قاعدون.
ظهر يدق بإصبعه على الطاولة في “التريلر” الخاص بالفيلم، حتى ظن الواهمون أنه سوف يشق غبار المعركة كفارس مقدام. ولكن “الدقة” كانت أقرب إلى دقة على دفِّ الخداع، بينما كانت الأصوات التي تقول “لبيك..” بين مقطع وآخر، تحاول أن تُضفي بعض الدراما على دقّة التخلي عن خوض المعركة، والاكتفاء بلعبة التنس لإرضاء الواهمين.
الذين كانوا يتابعون الحدث، لا بد أنهم لاحظوا أن إسرائيل قصفت أحد مداخل مجمع الشفاء في غزة، فور أن انتهى سيد الخداع من دقدقته على الدف.
إصبعه، ذو الخاتم والخرزة العقيق، وهو رمز من رموز الماسونية الشيعية يرتديه دجالو الطائفة ومنافقوها، كان بطل المشهد في “التريلر” لكي يوصل رسالة ولاءٍ إلى وليه.
ثم دقت السبابةُ دقتها على القول إنه لا يخاف البوارج الأميركية، وإنه لا يريد أن يلحق الأذى بإيران، وإن الفلسطينيين لم يتشاوروا مع أحد عندما أطلقوا عمليتهم في غلاف غزة، وإن النصر حليفهم، كما وعد الولي الفقيه علي خامنئي، في المستقبل البعيد البعيد.
◙ الكثيرون كانوا يأملون بأنهم أخطأوا عندما اعتبروه مجرد أداة من أدوات الدجل التي تستخدمها إيران، للركوب على ظهر القضية الفلسطينية
غطّى ما غطى برفع صوته، بين حينٍ وحين، ليقول إنه مستعدٌ للمعركة، ولكنه لا يريد خوضها. ليس الآن. ليس عندما تتعرض غزة للذبح من الوريد إلى الوريد. وإن النصر قادم، بعد ذبحها، في المستقبل البعيد البعيد.
كان بعض الأمل الزائف يرى أن الفرصة متاحة لتحرير مزارع شبعا على الأقل، إذا كان لا يريد لـ“وحدة الساحات” أن تعني تورطا مباشرا في الحرب. فهذه محض قضية محلية.
ومتى يحررها، إن لم يكن انشغال الجيش الإسرائيلي بذبح غزة فرصة سانحة؟ إلا أنه لم يأخذ بهذا الخيار، لأن بقاء بعض الأراضي اللبنانية محتلة مفيد، للذريعة. ذريعة المقاومة. ذريعة بقاء السلاح. والسلاح إنما يتحدى وجود الدولة اللبنانية. يتحدى جيشها، لا جيش الاحتلال في شبعا.
جانب آخر من الأمل الزائف كان يقول، إنه وإن كان لا يريد التورط في أي حرب، إلا أن ربع مليون فلسطيني يعيشون في لبنان، يمكنهم أن يشقوا طريق العودة إلى بلادهم. مما يخفف الاعتقاد بأن وجودهم في لبنان يهدد التوازنات الديمغرافية فيه.
كان يمكن لسيد الخداع أن يخادع الجدل داخل لبنان حول تلك التوازنات ومخاطرها على بقاء لبنان. وفي مقابل مساعي إسرائيل المعلنة لتهجير مليوني فلسطيني من غزة، ماذا سيكون ردا أفضل من دعوة الفلسطينيين في لبنان إلى العودة إلى بلداتهم وقراهم التي هُجِّروا منها في عام 1948؟ ماذا كان سيكون أفضل من دعوتهم إلى تشكيل جيش يحمل السلاح لاقتحام المستوطنات التي أخلتها إسرائيل للعبة التنس بينها وبين حزب الله؟ وماذا كان سيكون خيارا أفضل من تقاتلهم في مخيم عين الحلوة، بسبب فوضى القناعات وفوضى طرق العودة إلى فلسطين، عندما يتضح الطريق؟
كان يمكن لسيد حرب الإبادة والتهجير الجماعية في سوريا، أن يستدعي ميليشياته إلى تخوم الجولان، ليقول إن جبهة الحرب الأوسع سوف تبدأ من حق لا جدال فيه. وهو ما كان يُمكن أن يُلقي بعض ماء الحياء على وجوه الجلاوزة الذين سكبوا من وجوههم ماء الحياء، فأرجأوا تحرير أرضهم، إلى أجل غير مسمى، بل أبعد من البعيد.
وغير هذا وذاك وذلك، فإن الخيارات الأخرى كثيرة. ولا شيء منها يورط إيران مباشرة في الحرب، لكي يأمن علي خامنئي على سلطته.
◙ أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته الأولى إلى قطر، بعد اندلاع الحرب، أطلق سراح 6 مليارات دولار محتجزة في مصارفها لشراء امتناع “الولي الفقيه” عن التصعيد
لا شك أنه تلقى عصا التهديد، وشاهد الجزرة. وكأي مطية أخرى من مطايا الخوف، ركض وراء الجزرة. فأوحى لمأجوره أن يرفع صوته، بينما يخفض مخاوف إسرائيل والولايات المتحدة من اشتعال النيران على جبهة جديدة.
لم يفعل حسن نصرالله إلا ما يتناسب مع طبيعته، كسيد للزيف والخديعة.
أمضى حزب الله عمره كله، منذ نهايات العام 1982 وهو يحارب من أجل مشروعه الطائفي. كل ما أرادت إيران منه هو أن تجعله قاعدة عسكرية متقدمة لها. ولكن، ليس من أجل أن تحارب لتحرير فلسطين، وإنما من أجل أن تحاربنا باسم تحرير فلسطين.
سجلات هذا المشروع، في العراق وسوريا واليمن ولبنان نفسه، تكفي لكي تكشف عن طبيعته. ملايين الضحايا، وملايين المشردين، قضوا تحت نير هذا المشروع، ولم يتحرر شبر من فلسطين.
برغم كل ذلك، فإنها “نص مصيبة” أن نقع ضحية مشروع طائفي – صهيوني جديد، ليقتل ويدمر ويشرد وينهب باسم فلسطين، أو تحت شعار “الموت لإسرائيل”، بينما تزرع ميليشياته الموت في العراق وسوريا واليمن، أكثر بكثير (عدّا ونقدا من الجثث) مما فعلت ميليشيات الهاغانا في فلسطين.
المصيبة الأكبر هي أن هناك من ظل يراهن على مخادعات وأكاذيب فقاعات صوتية صارت أقرب إلى الاستخفاف بالعقول منها إلى أي شيء آخر. وهي أضحوكة رغم أنها تدمي القلوب. فقل: واضحكتاه، وأنت تبكي على غزة.
يستخف المراهنون بأنفسهم، مرة أخرى، لو أنهم عولوا بشيء على “سيد المقاومة” هذا من جديد.
علي الصراف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة