هل أقدم بشار على مغازلة إسرائيل بمقال نشر في صحيفة تشرين بالتنسيق مع شريكه الإيراني في جبهة الممانعة والمقاومة حامل لواء القدس والمصر على محو إسرائيل من الوجود في سبعة أيام؟
الثابت والمعروف والمتداول عن حافظ الأسد أنه كان واحدا من الانقلابيين (البعثيين) الذين غدروا بحزبهم عام 1966، فكوفئ وعُيّن وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة. وفي أحداث أيلول الأسود في الأردن في سبتمبر عام 1970 أرسل صلاح جديد، الرئيس الفعلي للدولة آنذاك، دبابات الجيش السوري لنجدة الفلسطينيين في حربهم مع الراحل الملك حسين، لكن وزير الدفاع الفريق الطيار حافظ الأسد امتنع عن تقديم التغطية الجوية للقوات البرية السورية وتسبب في إفشال المهمة، الأمر الذي دفع برفيقه البعثي وابن طائفته، صلاح جديد، إلى عقد اجتماع للقيادة القطرية للحزب واتخاذ قرار إقالة الأسد من منصبه، إلا أنه رفض الانصياع، ونجح في حشد عسكري كبير مكنه من السيطرة على سوريا في ما سمي يومها بالحركة التصحيحية في 16 أكتوبر 1970.
والثابت والمعروف والمتداول، أيضا، أنه برر حركته التصحيحية برفض تهاون نظام رفاقه في محاربة الإمبريالية والتصدي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وعدم الإصرار على تحرير الجولان وفلسطين من النهر إلى البحر، بما فيها القدس.
ثم اتخذ من مبادئ الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي مبررا للتحالف مع نظام الخميني والوقوف معه ضد أشقائه العراقيين والعرب الخليجيين.
ولا حاجة للتذكير بما فعلته هذه الممانعة والمقاومة بالأمة العربية وبالمنطقة، في عهد الأسد الأب ثم وريثه بشار، وفي سنوات حكم الخميني ثم وريثه خامنئي، وبالأخص بالعراق ولبنان وفلسطين. ولكم، أعزاءنا القراء، أن تُجروا عمليات حسابية سريعة لضبط مقدار ما أريق من دماء، وما دُمر من مدن وقرى وميادين وموانئ وجسور ومبانٍ وسفارات، وما أهدر من أموال، باسم فلسطين، وباسم الصمود والتصدي من أجل تحريرها ومقاومة أي “صلح أو اعتراف أو تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه الشرعيين”.
ورغم تناقض الهوية القومية العلمانية المعلنة المزعومة للنظام السوري مع هوية نظام الخميني الدينية الطائفية المتشددة، فقد أصبح الأسد المتعهد الوحيد لتهريب السلاح و”المجاهدين” من إيران إلى حزب الله، وجعل سوريا معسكرا إيرانيا متقدما للتآمر على لبنان وفلسطين والعراق ومصر ودول الخليج العربية، مقابل أطنان من الأموال والإعانات لدعمه وحمايته من السقوط.
ولكن، وبالمقابل، وبرغم كل هذا الكسب غير المشروع، فقد كان الشعب السوري يزداد فقرا وحرمانا، يوما بعد يوم.
فعلى يد حافظ، ثم وريثه بشار، شاعت الرشوة في سوريا وعم الجوع والتخلف، وصار الخوف هو الخبز اليومي لكل مواطن سوري، حتى وهو بعثي، ومن عظام رقبة النظام نفسه، تحت شعار “لا شيء يعلو على صوت المعركة” و”نموت وتحيا فلسطين”.
وها هي سوريا، في ظل هذه الشعارات القومية البراقة، خراب لا تصلح للسكن الآدمي، من الآن وحتى عشرات قادمة من السنين.
فقد جعل حافظ، ومن بعده ابنه بشار وأعوانهما، حديثهم عن العروبة وعن شرفها وصمود فرسانها بوجه الإمبريالية والصهيونية مملا جدا، ومثيرا للاشمئزاز.
فأيّ عروبة تلك التي تبيح لحاكم أن يهدم مدنا كاملة بالصواريخ والبراميل المتفجرة، ويهدر كرامة أهلها، وينهب ثرواتهم، ويجبر الملايين منهم على الهرب من بلادهم طلبا للرزق أو حفاظا على الكرامة؟
والآن، وبعد الانتصار الإسرائيلي – الأميركي على فكرة التحرير والمقاومة والممانعة، وبعد دخول مصر والأردن والبحرين والإمارات والمغرب والسودان إلى خيمة السلام مع عدو الأمس، ولم تبق سوى السعودية والعراق لتكتمل الحبكة الدرامية لمرحلة الشرق الأوسط الجديد، أدرك شهرزاد الصباح، وظهر النظام السوري عارياً من ثيابه القديمة “الثورجية” و”القومجية”، وكافرا بالممانعة والمقاومة، ليبدأ سِفرا جديدا من المداهنة والنفاق وادعاء العقلانية والمسالمة والأخوية والتصالحية مع “الكيان الصهيوني” القديم الذي أصبح، في نظر الأسد الابن، على لسان جريدته الرسمية، تشرين، الدولة الجارة التي لا يَستبعد التعامل معها بإيجابية، من أجل “مكافحة الإرهاب”.
فقد كتب رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية، محمد البيرق، مقالا افتتاحيا أخيرا تساءل فيه “هل نحن أعداء لإسرائيل؟ وأجاب “نعم، ولا”.
“نعم، لأننا قضّينا سنوات عديدة ونحن نقول إننا أعداء إسرائيل، كما أنها لا تزال تحتل بعضا من أرضنا”.
و”لا، لأن أمورا كثيرة تجمعنا بهذه الدولة الجارة، أهمها مكافحة ‘الإرهاب’، وهي قد تتطوع لتحسين علاقاتنا مع الولايات المتحدة التي لا تزال مقيمة في بلدنا، وعلينا أن نتعامل معها بما أمكن من إيجابية وتفهم. ومن يدري؟ فقد تنسحب إسرائيل، ذات يوم، من الجولان وتعيده إلينا”.
ويعتقد الإسرائيليون في تعليقاتهم على هذا المقال المفاجئ بأنه من غير الممكن، ولا من الجائز، أن يكتب رئيس تحرير تشرين الحكومية الحزبية مثل هذا الكلام الخطير دون موافقة أعلى سلطة في سوريا، أي الأسد نفسه، وتكهنوا بأن هذا قد يكون بطلبٍ روسي، على الأرجح.
والسؤال الآن، هل أقدم بشار على مغازلة السيدة الأولى، إسرائيل، بهذا المقال بالتشاور والتنسيق والمباركة من شريكه الإيراني في جبهة الممانعة والمقاومة، حامل لواء القدس، والمصر على محو إسرائيل من الوجود في سبعة أيام؟
أم إنه قرر أن يطعن رفيقه الولي الفقيه في ظهره، كعادته في الغدر والتآمر والانقلاب من النقيض إلى النقيض حسب المصلحة والظروف، واختار أن يبدأ حرب تحرير سوريا من جراثيم الحرس الثوري وحزب الله وميليشيات العراقيين الموالين لإيران، بالتعاون والتحالف والتنسيق مع “الجارة” إسرائيل، ومع الولايات المتحدة، من خلفها، ومع دول التطبيع العربية الغنية التي يحتاج بشار اليوم إلى أموالها أكثر من أي وقت مضى؟
الله أعلم، وسننتظر حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإن كره الكارهون.
إبراهيم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة