دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي- سوريا.. مجلس للنظام وليس للشعب

مر عقد كامل على الأزمة السورية، تغيرت خلاله الهوية الديموغرافية والجغرافية للدولة كثيراً، ولكن “مجلس الشعب” بقي على حاله. في الواقع، هو لم يمثل السوريين منذ وصول عائلة الأسد إلى السلطة. كان ولازال مجرد حلقات من المصفقين لـ”الرئيس”، فقط من أجل راتب شهري، أو لوحة سيارة، أو فتات من الكسب غير المشروع.

وفق الأمم المتحدة أسفرت الحرب في سوريا حتى الآن عن أربعمائة ألف قتيل، وأكثر من سبعة ملايين نازح داخل البلاد، ونحو ستة ملايين لاجئ خارجها، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين. كما أدت الحرب لاستنزاف البنى التحتية، وشلت مجمل مضامير الحياة، وكل هذا بسبب “الرئيس” الذي يريد “مجلس الشعب” أن يمنحه ولاية رابعة، ليكمل تدمير البلاد، وينهي أيّ أمل للسوريين في استعادة دولتهم.

هذا المجلس الذي قاد العمل الوطني إبان الاحتلال الفرنسي وترأسته شخصيات مثل فارس خوري، أصبح أداة للسلطة، وعاش خمسة عقود تحت وصاية “آل الأسد”. لا ينسى السوريون كيف استدعي أعضاؤه عام 2000 على عجل ليعدّلوا الدستور على مقاس بشار الأسد كي يخلف والده في رئاسة “الجمهورية”. ولا ينسوا أيضا كيف وقف “البرلمانيون” يصفقون لـ”الرئيس” وهو يقهقه على وقع القمع والقتل الذي مارسه في الأيام الأولى للثورة عام 2011.

في الذكرى الأخيرة لاستقلال سوريا عن الفرنسيين خرج “مجلس الشعب” ببيان يتحدث فيه عن “تكالب قوى الشر والعدوان والإرهاب مع أذناب العمالة والخيانة والتآمر والتضليل على سوريا في محاولة لتخريب وتدمير المنجزات التي حققتها على مدى سنين طويلة”.

لا يملك أحد من أعضاء المجلس أن يذكر منجزاً واحداً لـ”سوريا الأسد”، فهي لم تعرف على مدار نصف قرن إلا سلسلة متصلة من الجرائم بحق السوريين، بزعم مواجهة “المؤامرات الكونية” التي يحيكها العالم ضدهم.

يطلب “البرلمان” من الطاغية البقاء في الحكم. ولا عجب في هذا؛ في زمن البعث هذا هو الشرط اللازم لتدخل “مجلس الشعب” وتعمّر فيه. أما التعبير عن صوت الناس ومطالبهم فهذا آخر ما تحتاجه، لأنه قد يصل بك إلى السجن كما حدث مع النائب رياض سيف عام 2001، عندما فتح ملف شبكة الخليوي وقال إن الفساد فيه يضيع على خزينة الدولة نحو 7 مليار دولار في ذلك الوقت.

أهم المهارات التي تحتاجها كعضو في “مجلس الشعب” التطبيل والتصفيق. وإن كنت تملك موهبة التعبير عن إعجابك بـ”حكمة وشجاعة الرئيس” شعراً أو نثراً أو هتافاً، فهذا يضمن لك الديمومة تحت قبة المجلس. ويُضربُ المثلُ في نائب قال يوما “إن حكم سوريا قليل على بشار الأسد، وهو يجب أن يحكم العالم”.

إجادة فن “المعارضة” في ظل حكم الأسود حرفة يحتاجها عضو “مجلس الشعب” أيضاً، فالاعتراض يجب أن لا يمس بالرئيس ولا بأذرعه المالية والأمنية. كما أنه يجب أن يشير بلباقة إلى الفساد والمحسوبية دون ذكر شخصيات بعينها. والأهم من هذا وذاك أن لا “يوهن نفسية الأمة” ولا يتجاهل “المؤامرة الكونية” على البلاد.

هذه الثوابت عاشت عليها أجيال من أعضاء “مجلس الشعب”. هناك وجوه كثيرة لم تتغير لأربع دورات متتالية، ولكن ذلك لا يهم طالما أن النواب لا يملكون من أمرهم إلا بقدر ما يسمح النظام.

من باب الإنصاف، لا بد من الإشارة إلى متغير وحيد طرأ على “مجلس الشعب” خلال سنوات الحرب، فقد بات يضم بين صفوفه أزلاما لأمراء الحرب وإيران وروسيا إلى جانب أزلام النظام التقليديين. هؤلاء جميعهم يراعون سقف المنافسة بينهم لأن المصلحة واحدة في بقاء النظام الذي يعتاشون على فساده، ولكنّ ولاءهم لمرجعياتهم بات لا يقل أهمية عن ولائهم للنظام. هم ينفذون أجندة من يوظفهم كأعضاء في المجلس، ولا يهمهم إن كانت هذه الأجندة تتعارض مع مصلحة البلاد ومستقبل السوريين.

نواب المحتلين إن جازت تسميتهم، يسافرون إلى طهران أو موسكو بين فترة وأخرى لجمع الأموال وتلقي التوجيهات، أما نواب أمراء الحرب فالأموال والتعليمات تصلهم إلى مكاتبهم، كما هو حال الأعضاء الممثلين للنظام بحزبه وأمنه وجيشه. أما القلة التي لم تفلح في تمثيل أيّ من الأطراف الأربعة رسميا، فهي تكتفي بالمعاشات ومميزات عضوية المجلس.

بخارطة انتماءاته التي رسمتها الحرب على مدار عقد كامل، دعا “مجلس الشعب” إلى انتخابات رئاسية جديدة في السادس والعشرين من مايو المقبل. وبتعبير أدق أطلق المجلس استفتاءً جديدا مضمون النتائج من أجل منح الأسد سبعة أعوام جديدة، ومنح النظام الذي يديره أمراء الحرب وروسيا وإيران سبعة أعوام أخرى، فيما يواصل أعضاء المجلس سرقاتهم وفسادهم وانتهازيتهم وهم يصفقون ويطبلون للأسد ومشغليهم.

ولأن عضوية “مجلس الشعب” ليست إجبارية ولا يوجد ما يبرر سلوك النواب وقراراتهم، لا يمكن تبرئة أيّ عضو من المسؤولية الأخلاقية على الأقل، فيما جرى ويجري خلال سنوات الحرب. كل من اختار أن يشارك في برلمان الدمى طوال هذه السنوات، عليه أن يدرك أنه ساهم في خراب سوريا وما طال سكانها من موت وتشريد وفقر، وعليه أن يعتذر يوما عن كل مرة صفق أو هتف أو ضحك فيها بوجه الطاغية.

بهاء العوام- صحفي سوري- عن صحيفة العرب اللندنية

المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة