بالنسبة إلى طهران لا يتعلق الصراع السوري بمن يسيطر على دمشق بل يمثّل في نهاية المطاف بؤرة صراع أيديولوجي وطائفي وجيوسياسي أوسع.
هل يكفي الرهان على عامل الوقت
انطلقت الثورة السورية قبل حوالي عقد ونيف تزامنا مع ثورات الربيع العربي، وبقي النظام السوري على رأس الحكم بفعل الدعم الإيراني والروسي. لقد دخلت القوات الإيرانية إلى الأراضي السورية مستغلة ما يجري فيها من أحداث، وتمكنت من بسط سيطرتها بحجة تقديم الدعم لحليفتها سوريا ورئيسها بشار الأسد.
وتدعم طهران الأسد بالمال والرجال، حيث أرسلت آلاف “المتطوعين” إلى سوريا للقتال، بإشراف أعضاء ما يعرف بـ“الحرس الثوري”، المصنف من طرف واشنطن كمنظمة إرهابية، والذي تعيق الاختلافات حوله اليوم تقدم المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني.
قليلة هي البلدان التي قد تخسر جرّاء انهيار النظام في سوريا أكثر مما تخسره جمهورية إيران الإسلامية حليفته الإقليمية الوحيدة. فعلى الرغم من تعرّضها لعقوبات اقتصادية مرهقة بسبب طموحاتها النووية، أثبت دعم طهران المالي والعسكري أنه حيوي لاستمرار بقاء الأسد في السلطة.
◄ هنالك أسباب أدت إلى الثورة السورية منها، وهو الأهم، أن يتنحى بشار الأسد عن الحكم وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة أسوة بدول العالم
بالنسبة إلى طهران، لا يتعلق الصراع السوري بمن يسيطر على دمشق، بل يمثّل في نهاية المطاف بؤرة صراع أيديولوجي وطائفي وجيوسياسي أوسع نطاقاً ضد مجموعة متنوّعة من الأعداء، بمن فيهم الجهاديون المتطرّفون السنّة ودول الخليج العربية وإسرائيل والولايات المتحدة.
الأسد بات في حيرة من أمره، بين القبول باستمرار تواجد القوات الإيرانية في سوريا، وبين إرضاء دول العالم. لقد خسر عمقه العربي بعد الربيع العربي والاحتجاجات التي اندلعت ضد نظامه، فلجأ إلى الحضن الإيراني. صحيح إن تحالفه مع إيران شكل له أرضية صلبة فترة من الزمن، ولكن هذا لن يدوم طويلا في ظل تغيّر موازين السياسة الدولية، فالكل يجمع على عزل طهران، إذا استثنينا الولايات المتحدة التي تتعامل مع طهران كحليف تحت الطاولة.
سياسة إيران في المنطقة وتدخلها السافر في سياسات بعض الدول العربية إلى جانب محاولاتها إثارة القلاقل في الأردن، كما حصل مؤخرا، ودعم حركات وأحزاب سياسية كحماس والجهاد الإسلامي، من شأنهما إعادة بث الفوضى وإحداث شرخ بين تلك الأحزاب وقواعدها الشعبية.
إيران دولة لا تؤمن بنسيج إسلامي واحد، فهي على الدوام تسير في إطار خطة منظمة لسحق العالم السني والإمعان في تخريب وحدته السياسية والاجتماعية وحتى الفصائلية، كما في فلسطين، وهذا إرث عدائي ليس هنا مجال لتفصيله. وهي تعمل على تغذية بذور الشقاق والخلاف وعدم وحدة فتح وحماس، وبهذا أبقت على حالة التردي وعدم تنظيم صفوف الشعب الفلسطيني في مواجهة الخطر الذي تتعرض له القضية الفلسطينية من تهويد للضفة الغربية والقدس وغيرها.
الصراع الذي طال أمده في سوريا سيستمر في التسبب بأضرار كبيرة بسمعة إيران في أرجاء العالم العربي ذي الأغلبية السنّية، رغم أنها كانت قادرة في السابق على تجاوز الانقسامات العرقية والطائفية من خلال استمالة الغضب الشعبي العربي ضد السياسات الأميركية والإسرائيلية.
◄ بالنسبة إلى طهران، لا يتعلق الصراع السوري بمن يسيطر على دمشق، بل يمثّل في نهاية المطاف بؤرة صراع أيديولوجي وطائفي وجيوسياسي أوسع نطاقاً ضد مجموعة متنوّعة من الأعداء
ينظر العرب السنّة إلى إيران اليوم، وعلى نحو متزايد، باعتبارها طرفاً فاعلاً جنائيّاً وطائفياً ومتواطئاً في قتل وتشريد الملايين من السوريين، وهذا الجانب سجل عليها وأصبح الشارع العربي مدركا لنواياها وسياستها في تمزيق العالم السني.
الوضع في سوريا اليوم ليس على ما يرام في ظل عدم قدرة السلطات الحكومية على بسط سيادتها كاملة على ترابها. ويرى الأسد أن تحقيق السيطرة يحتاج إلى قرارات مصيرية منها التخلص من أصدقائه، ومنهم روسيا ونظام الملالي في طهران، فالنظام رغم تركيبته الطائفية العلوية، إلا أنه يركنها بعيدا لتبقى سوريا بعثية بالدرجة الأولى، وهذا يفسر فشل طهران في إقناع الأسد بأن يدور دورة كاملة في فلكها ما دام هناك خلاف أيديولوجي كبير.
لكن يبقى السؤال المطروح هل يكفي خروج إيران من سوريا، حتى تفرض دمشق سيطرة كاملة على البلاد؟
هنالك أسباب أدت إلى الثورة السورية منها، وهو الأهم، أن يتنحى بشار الأسد عن الحكم وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة أسوة بدول العالم. وفي تقديري هذا الشرط لم يسقط بالتقادم، فجل الفصائل السورية متمسكة بهذا الشرط لتحقيق الاستقرار.
نتيجة ذلك يقف الأسد اليوم محتارا بين التخلي عن طهران وبين خسارته للعالم. ويبقى عامل الوقت الذي يراهن عليه الرئيس السوري على المدى المنظور هو سيد الموقف.
فتحي أحمد – كاتب فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة