دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – ستون دقيقة أميركية من عمر الثورة السورية

فصول التغريبة السورية قد تبدأ عند 50 ألف صورة تتسرب منها رائحة الدم الحي وأزيز أبواب الزنزانات، لكنها لن تنتهي عندها ما لم تتوفر الإرادة الدولية لإنقاذ السوريين والدفع باتجاه الانتقال السياسي الكامل بالبلاد.
“في حال تمكّن بشار الأسد من الإفلات بجرائمه التي ارتكبها ضد شعبه والإنسانية فما الذي سيكون عليه حال العالم”؟
هو سؤال توجّه به سكوت بيلي مقدّم برنامج “60 مينيتز”، وهو البرنامج التلفزيوني الأشهر الذي يستمر 60 دقيقة تحمل اسمه ويتابعه الملايين من الأميركيين في الولايات المتحدة وأضعاف مضاعفة من المشاهدين في العالم، إلى ستيفن راب السفير الأميركي الأسبق المكلّف بقضايا جرائم الحروب، وذلك خلال حلقة خاصة أعدها تلفزيون سي.بي.أس نيوز عن ملف الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري بهدف قمع الثورة الشعبية التي انطلقت مسيراتها سلمية في منتصف شهر مارس من العام 2011، تزامنا من مدينتي درعا ودمشق، مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
السفير راب، الذي يشغل حاليا منصب رئيس الهيئة المستقلة للعدالة والمحاسبة الدولية أجاب “عندها سيبدو العالم وكأنه يقول بوسعك أن ترتكب مثل هذه الجرائم ثم تنجو من العقاب، وستكون هذه الوصفة الأسرع لقمع أي انتفاضة شعبية”.
عرض البرنامج بالوثائق والشهادات الحية رحلة قرابة 50 ألف صورة من أقبية معتقلات نظام الأسد إلى قاعات مجلس النواب الأميركي ليتمّ تداولها في جلسات علنية أمام أعضاء الكونغرس.
ولا يخفى على أحد أن قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين الذي أقرته الولايات المتحدة في العام 2019 كان ردا قويا من ممثلي الشعب الأميركي في مجلسي النواب والشيوخ على انتهاكات نظام الأسد ضد الإنسان السوري والإنسانية جمعاء، وقد انبنى على الحقائق التي حملتها الصور.
تلك الصور الصادمة كان قد هرب بها من دمشق المصوّر العسكري لدى أجهزة الأمن السورية الذي حمل الاسم الحركي “قيصر”، وسمّي قانون العقوبات الأميركي باسمه نظرا لشجاعته في إخراج هذه الصور التي هي دلائل حية على بشاعة ذاك النظام ووحشيته.
إنها صور مرعبة لجثث الآلاف من السوريين، رجالا وأطفالا ونساء، تم تعذيبهم حتى الموت في أقبية فروع الأمن والمخابرات السورية بطريقة لا تمت إلى الحس الآدمي بصلة. وصلت الصور في العام 2014 إلى يد الشاب السوري الأميركي معاذ مصطفى، وكان هو وعائلته قد فرّوا من بطش نظام الأسد إلى الولايات المتحدة وهو طفل صغير.
صمّم هذا الشاب الجريء أن يحمل أوجاع هؤلاء المغدورين إلى المنابر الدولية ومواقع القرار التي بإمكانها أن تجلب شيئا من العدالة والراحة لنفس الضحايا، والاقتصاص قانونا من الفاعلين بإنزال العقوبة اللازمة على جرائمهم الموصوفة أينما حلوا ومهما علت مناصبهم.
وكان مكتب التحقيقات الفدرالية في واشنطن قد تأكد من صحة تلك الصور بتحليل عينة تتكون من حوالي 242 صورة، وخلص إلى قراره بانتفاء وجود أي شبهة أو أدنى شكوك بأنها ملفقة أو متناقضة في ما بينها.
فصول التغريبة السورية قد تبدأ عند خمسين ألف صورة تتسرّب منها رائحة الدم الحي وأزيز أبواب الزنزانات تحك سيالة العصب ولحم الذاكرة، لكنّها لن تنتهي عندها ما لم تتوفر الإرادة الدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السوريين والدفع باتجاه الانتقال السياسي الكامل في سوريا ضمن بنود قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وفي حال استمر النظام السوري بنهج الإنكار لما وثّقه العالم من جرائمه، تلك التي ترتّبت عليها قرارات أممية ملزمة له في تحقيق التغيير المطلوب الذي خرج من أجله الملايين من السوريين في ثورتهم الماجدة، التي تحتفي هذا الشهر بالعام العاشر من متواليات التضحيات التي لا نظير لها بين حركات التحرّر في العصر الحديث، فلا بد من التصعيد الأممي وفرض القرار مقترنا بشرط جزائي هو الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
يقول راب في نهاية البرنامج “لقد حصلنا على أدلّة ضد الأسد وزمرته أفضل من تلك التي حصلنا عليها لإدانة ميلوزوفيتش في يوغوسلافيا أو النازيين في نورمبيرغ، فالنازيون قد فاتهم التقاط صور لكل ضحية على حدة مع معلومات تعريفية عنها”!

مرح البقاعي – كاتبة سورية أميركية – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة