في انتظار منتصف 2021 تحاول روسيا تجميع أكبر عدد من الأوراق كي تكون في موقع صاحب القرار السوري عندئذ سيكتشف بشّار الأسد أنّه صار عاريا وأن إيران المفلسة لن تستطيع إنقاذه.
كانت الصيغة المستخدمة في وسائل الإعلام الروسية الرسمية أن الرئيس فلاديمير بوتين “يأمر” بالتفاوض مع سوريا في شأن تسليم الجيش الروسي منشآت ومناطق بحرية إضافية، صيغة معبّرة إلى أبعد حدود. كانت معبّرة عن واقع سوري جديد يرفض كثيرون في المنطقة، على رأسهم إيران وأدواتها، أخذ العلم به. يسعى هؤلاء إلى الهرب من هذا الواقع!
يتمثّل هذا الواقع الجديد في وجود اتفاقات، أو على الأصح تفاهمات، محدّدة تجعل من روسيا وصيّا على سوريا التي عرفناها أو على ما بقي منها. قررت روسيا توسيع مناطق سيطرتها المباشرة في الأراضي السورية. سيكون لها ذلك. لن تترك روسيا أي مجال لوجود إيراني على طول الشاطئ السوري وذلك بغية تأكيد أنّ هناك من يسيطر على سوريا وعلى كيفية تحديد دورها في المنطقة بعيدا عن الطموحات الإيرانية.
يبدو واضحا أنّ هناك نوعا من التفاهم الروسي – الأميركي في شأن سوريا. هناك، إضافة إلى ذلك، مباركة أميركية لتفاهم روسي – تركي – إسرائيلي على مستقبل سوريا. يقوم هذا التفاهم على أن الوضع السوري لا يمكن أن يستمر كما كان عليه وأن لا مكان لإيران في سوريا. إذا كان هدف إيران دعم النظام الأقلّوي الذي يرمز إليه بشّار الأسد، فإنّ كلّ ما يمكن قوله الآن إن هذا النظام انفجر من داخل بدليل الانقسام بين فرعي العائلة، أي بين آل الأسد وآل مخلوف في ظلّ الخلاف القائم على استحواذ آل الأسد على كل الأموال التي يمتلكها رامي مخلوف. يصعب تقدير الحجم الفعلي لهذه الأموال كما يصعب تحديد من سيخرج منتصرا، علما أن الكفّة تميل إلى انتصار آل الأسد، فيما لا يمكن تجاهل أن لآل مخلوف وضعا مميّزا بين العلويين إضافة إلى أنّ رامي مخلوف استطاع إيجاد واجهات كثيرة تؤمن له حماية أمواله الموزّعة بين الخليج ودول أوروبية إضافة إلى روسيا وبعض الدول الدائرة في فلكها.
في كلّ الأحوال، لم يعد مفرّ من النظر إلى مستقبل سوريا من زاوية مختلفة هي زاوية التفاهم الروسي – الإسرائيلي – التركي الذي تباركه أميركا. تعود المباركة الأميركية إلى أسباب عدّة من بينها أن إدارة ترامب مهتمة أكثر من أي وقت بمشاكل داخلية أميركية في سنة انتخابية. الإدارة مهتمّة أيضا بوباء كورونا وتأثيره على الاقتصاد وبالنتائج التي ستترتّب على الاضطرابات التي تلت مقتل مواطن أسود في مينيابوليس كبرى مدن ولاية مينيسوتا.
هذا لا يعني في طبيعة الحال أنّ أميركا ستكون بعيدة عن الملفّ السوري الذي تعتبره جزءا لا يتجزّأ من الملف الإيراني. الدليل على مدى هذا الاهتمام الأميركي دخول “قانون قيصر” مرحلة أصبح فيها نافذا. القانون في غاية القساوة ويفرض عقوبات على النظام السوري وعلى كلّ من يتعاطى معه. لا شكّ أن على روسيا أن تأخذ هذا الأمر في الاعتبار نظرا أن الهدف الأساسي لـ”قانون قيصر” الحلول مكان قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث استطاعت روسيا والصين حماية النظام السوري طويلا عبر “الفيتو”.عطلت روسيا والصين بفضل استخدام “الفيتو” مشاريع قرارات عدّة طرحت على التصويت في الماضي.
من راهن على الوقت في سوريا، كان إسرائيل. كذلك فعلت تركيا التي فوتت كلّ الفرص التي أتيحت لها من أجل التدخل بطريقة تسمح لها بلعب دور إيجابي يحمي المواطنين السوريين. في مرحلة بداية الثورة السورية، تميّز الدور التركي بالسلبية. صحيح أن تركيا استقبلت مئات آلاف السوريين الهاربين من النظام وبطشه، لكنّ الصحيح أيضا أنّه مثلها مثل إسرائيل، راهنت على الاهتراء السوري وعلى الوصول إلى السنة 2021.
في منتصف 2021، سيجد بشّار الأسد صعوبة، حتّى في استخدام التزوير، كي يحصل على ولاية رئاسية جديدة. هذا على الأقلّ ما تؤكده التطورات التي تشهدها سوريا حيث أزمة اقتصادية حقيقية. جعلت الأزمة “حزب الله” ينتقل من مرحلة السعي إلى إنقاذ النظام عسكريا إلى مرحلة إنقاذ الاقتصاد السوري حتّى لو كان ذلك على حساب لبنان!
في انتظار منتصف 2021، تحاول روسيا تجميع أكبر عدد من الأوراق كي تكون في موقع صاحب القرار السوري. عندئذ، سيكتشف بشّار الأسد أنّه صار عاريا وأن إيران المفلسة لن تستطيع إنقاذه مجددا. في المقابل، سيطالب الرئيس بوتين بثمن الاستثمار الكبير الذي وظفته روسيا في سوريا، خصوصا منذ أيلول – سبتمبر 2015 عندما أرسلت طائراتها إلى قاعدة حميميم لمنع اجتياح المعارضة للساحل السوري والسيطرة عليه…
باختصار شديد، هناك لعبة جديدة في سوريا في ظلّ احتلال تركي لشريط حدودي في الشمال السوري ووضع يد إسرائيلية على الجولان المحتل منذ حزيران – يونيو 1967… أي منذ 53 عاما!
إلى أيّ حدّ سيصل التفاهم الأميركي – الروسي في شأن سوريا؟ هذا هو السؤال الكبير في ظلّ “قانون قيصر” الذي ستكون لديه مفاعيل رهيبة ليس في الداخل السوري فحسب، بل على كلّ من يريد التعاطي مع النظام السوري أيضا، بما في ذلك الشركات الروسية والصينية والأوروبية.
ليس صدفة أن يكون الرئيس الروسي “أمر” الجهات المعنية في بلده بالتفاوض من أجل توسيع الوجود الروسي في سوريا قبل أيّام قليلة من دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ. ليس صدفة أيضا أن يكون ذلك جاء في ظلّ تفاهم مع تركيا وإسرائيل ومباركة أميركية وفي وقت لم تعد إيران قادرة سوى على الاستعراضات غير المجدية من نوع إرسال وقود إيراني في خمس ناقلات إلى فنزويلا التي تمتلك أحد أكبر احتياطات النفط في العالم.
تغيّرت قواعد اللعبة في سوريا بعدما فوّت النظام كلّ الفرص التي أتيحت له من أجل إعادة تأهيل نفسه. توفي حافظ الأسد، مؤسس النظام السوري الحالي قبل عشرين عاما (يوم 10 حزيران – يونيو 2000). تدفع سوريا اليوم ثمن عجز بشّار الأسد عن إقامة علاقات عربية ودولية تخدم سوريا. فضّل أن تكون سوريا في الحضن الإيراني. ما نشهده اليوم تتويج لسلسلة من الإخفاقات جعلت قوى مختلفة، على رأسها روسيا، تفكّر في كيفية السيطرة على جزء من سوريا بعدما تأكّد أن الاحتلالين الإسرائيلي والتركي لن يزولا غدا أو بعد غد…
خيرالله خيرالله – إعلامي لبناني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة