دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – روسيا وحزب الله.. تودد وتوجس

روسيا وإيران لن ترهنا وجودهما في سوريا بمستقبل شخص واحد ولكن توقيت إزاحة الأسد عن السلطة وطريقتها هما ما يشكل فارقا بالنسبة إلى كليهما فالأسد في نهاية المطاف جسر نحو مرحلة ثانية.

علاقات تحكمها المصالح

في منتدى فالداي يبشر وزير الخارجية الروسي العالم بأن الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية سيحمل تغيّرا. لا أحد يعرف بعد إن كان لافروف يقصد فقط جلوس رئيسي وفدي الحكومة والمعارضة مع بعضهما لأول مرة منذ بدء المفاوضات، أم أن هناك شيئا آخر لا تريد موسكو الإفصاح عنه. ولكن مؤشرات عديدة تقول إن موسكو تبلور استراتيجية جديدة لها في سوريا بعيدا عن حلفاء الميدان، أي طهران.

ينتاب الإيرانيين وحزب الله اللبناني قلق إزاء تلك الاستراتيجية الروسية الغامضة منذ فترة قصيرة. فيسافر وفد للحزب إلى موسكو يستوضح الأمر من جهة، ويوضح خطوط طهران الحمراء بشأنه من جهة أخرى. مصير “الرئيس” كان مفتاح الحديث طبعاً، والسؤال الذي يدور في ذهن الحزب ومشغليه هو ببساطة هل تخلت روسيا عن بشار الأسد وبدأت تعد العدة لرحيله أم لا تزال متمسكة به وتدعم وجوده؟

لم ولن، ترهن روسيا وإيران وجودهما في سوريا بمستقبل شخص واحد فقط، ولكن توقيت إزاحة الأسد عن السلطة وطريقتها هما ما يشكل فارقا بالنسبة إلى كليهما. فبشار الأسد في نهاية المطاف جسر نحو مرحلة ثانية من الاحتلالين الروسي والإيراني للبلاد، ولكن متى وكيف تنتهي هذه المرحلة؟ هذا ما يحاول الإيرانيون والروس التنسيق بشأنه إلى أقصى حد ممكن دون أن يضطر أحدهما للغدر بالآخر أو مواجهته؟

في الحقيقة، التساؤل بشأن موقف روسيا من الأسد يدور في خلد كثيرين من خصوم دمشق وحلفائها. وهو يشغل بال السوريين المؤيدين والمعارضين على السواء منذ تطبيق عقوبات قيصر، وعجز موسكو عن إقناع الغرب والعرب بمقاربة جديدة للأزمة تبقي “الأسود” في الحكم لسنوات قليلة أخرى، خاصة وأن الإدارة الأميركية الجديدة لا تبدو متحمسة كثيراَ لحل الأزمة أو حتى للحوار مع الروس بشكل عام.

الاستعصاء في تطبيع علاقات الجوار والعالم مع الأسد يدفع بالروس إلى البحث عن بدائل تريد أن تعرفها إيران. والسؤال عبر حزب الله لن يعكس شقاقا كبيرا بين موسكو وطهران في هذا الملف، كما يقول للكرملين إن الحزب محط ثقة وتفويض من خامنئي لإدارة الشأن السوري. استقبلت موسكو الرسالة في الإطار الذي تعتمده منذ انخراط الروس في الحرب السورية، وفحواه أن الخطط، إن وجدت، تناقش مع طهران، والتكتيك الميداني يبحث مع حزب الله على الأرض عندما تقتضي الحاجة فقط.

جس النبض هو العنوان الأصلح لما جرى بين وفد حزب الله وقادة الدبلوماسية الروسية، فرئيس الوفد اللبناني رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد هو نفسه من جاء موسكو قبل عقد من الزمن ليجس نبض الكرملين إزاء ما يحصل في سوريا بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة فيها. أما على الجانب الآخر فليس هناك أبرع من “الثعلب” وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف في قراءة ما بين السطور وصياغة الرسائل المشفرة ذات الأوجه الكثيرة في التأويل والتحليل والتفسير.

أراد الروس زيارة الوفد بقدر ما أرادها حزب الله اللبناني، ويبدو أن الأجوبة غير الشافية هو ما حصل عليه الطرفان من بعضهما. تماما كما يحدث على الأرض فالروس وحزب الله يعززان نفوذهما في سوريا بشكل مستقل عن بعضهما، وهذا التعزيز يحمل طابعا تصادميا بينهما أحيانا كثيرة، وخاصة في الفترة الأخيرة. كل منهما بات يشكل عبئاً على الآخر ولكنه لا يستطيع الاستغناء عنه. وهذه المعادلة المستحيلة لن تحل إلا بتدخل طرف ثالث ليعين أحدهما على الآخر، والوحيد القادر على هذا هو الولايات المتحدة.

عندما يقول الأمين العام لحزب الله إن روسيا ليست جزءاً من “محور المقاومة” فهو يقصد هذا ضمن مقاصد عديدة. يعرف حسن نصرالله أن الروس يسهلون للإسرائيليين قصف مواقع الحزب في سوريا، ويعرف أيضا أن موسكو تريد أن تنفرد بالميدان السوري لترسخ وجوداً دائما في منطقة الشرق الأوسط وعلى ساحل المتوسط، ولكن المواجهة مع الروس لا يمكن أن تقع إلا بأوامر إيرانية لن تصدر الآن.

كما قلنا الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يغلّب أحدهما على الآخر هو الولايات المتحدة. ولكن السؤال هو هل تحتاج واشنطن إلى منح كامل سوريا للروس أو الإيرانيين؟ أليس من الأفضل أن تبقي على العداء المبطن بينهما لربما استدعت الحاجة إلى تفجيره في المستقبل؟ ما الذي ستجنيه واشنطن من نصرة أحدهما على الآخر وهي لم تنل بعد من طهران قبولا على إبرام اتفاق نووي جديد، ولم تحصد من موسكو تعاونا لا في سوريا، ولا في ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليها وإلى أعضاء حلف الناتو؟

ولأن واقع الحال يقول إن الولايات المتحدة ستبقى طرفا معطلا لحل الأزمة السورية إلى أجل غير مسمى، تواصل موسكو وحزب الله سياساتهما في تحويل بلدات ومناطق وأحياء وقرى في سوريا إلى مستعمرات روسية وإيرانية تدار مباشرة من موسكو وطهران، ولا تتدخل فيها دمشق أبداً. لا تجد في تلك المناطق شرطة أو جيشا سوريين، وإنما يزرع الأسد فيها بعض العسس لمعرفة ما يحدث إن أمكن ذلك طبعاً.

للروس والإيرانيين أيضا عسس على بعضهما في سوريا. كل منهما يريد أن يعرف خطط الآخر ليقطع عليه الطريق أو يسبقه بخطوة. ولأن موسكو كثفت جهودها في تحريك الأزمة السورية عربياً وفرضت تغييرات كثيرة داخل الجيش والأمن والاقتصاد السوري مؤخرا، ثارت حفيظة حزب الله وراح يبحث وراء أسباب التحركات الروسية المتسارعة. استشعر الكرملين الأمر واستقبل وفد الحزب ليؤكد لهم المؤكد منذ اللحظة الأولى للتدخل الروسي في سوريا، لن يستبدل الأسد دون صفقة مع الولايات المتحدة، ولأن الروس يريدون هذه الصفقة أكثر من غيرهم فهم يبدون مرونة إزاءها. في جعبتهم خيارات عدة وسيناريوهات مختلفة ولكن المشكلة أن واشنطن لم تقرر بعد تغيير نظام دمشق.

 

بهاء العوام – صحافي سوري – العرب اللندنية

المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة