على المجتمع الدولي أن يواصل العمل من أجل التوصل إلى حل عادل يضمن سلامة وأمن جميع الأطراف عن طريق الدخول في حوار هادف والعمل على تحقيق رؤية مستقبلية مشتركة .
بانتظار هدنة قد لا تأتي
الصراع في رفح ظل مستمرًا لعقود من الزمن، وانخرطت حماس وإسرائيل في تكتيكات عنيفة ومدمرة، إلى أن أصبح الوضع الحالي في المدينة مأساويًا، حيث يتحمل المدنيون وطأته لسنوات عديدة، منذ بداية الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، والتي أدت إلى تهجير الآلاف من الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، ما أدى إلى أزمة إنسانية عنيفة.
وكان التوسع الأخير في الحرب إلى رفح بمثابة ضربة كبيرة لحماس، واستخدمت الجماعة إستراتيجيات وتكتيكات مختلفة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية على إسرائيل واستخدام الأنفاق في تهريب الأسلحة للقتال ضد الجيش الإسرائيلي.
لا يمكن تحقيق السلام الدائم إلا من خلال المفاوضات والاستعداد لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع
وعلى الجانب الآخر فإن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في رفح تتلخص في دفع حماس إلى أنفاسها الأخيرة من أجل إضعاف موقفها التفاوضي، وقد انطوى ذلك على استخدام القوة المفرطة وخسارة العديد من الأرواح البريئة، وتدمير العديد من المنازل والمباني. وعلى الرغم من الكلفة الباهظة التي يتحملها المدنيون فقد كان الجيش الإسرائيلي فعالاً في تحقيق أهدافه، وكانت المعركة النهائية وحشية، حيث تكبد الجانبان خسائر فادحة.
إن التداعيات السياسية والاجتماعية لهزيمة حماس لم تتحقق بالكامل. ومع ذلك، فمن الواضح أن الصراع قد ترك ندوبا عميقة لدى سكان غزة والمنطقة ككل، وأصبح الأمل الوحيد لتحقيق سلام دائم هو أن يأتي الجانبان إلى طاولة المفاوضات ويجدا طريقة للتعايش السلمي.
ومما لا شك فيه أن الحوار والتفاوض أمران حاسمان في حل الصراعات، وقد تكون مفاوضات حماس ومرونتها هما المفتاح لإنهاء الصراع في رفح ومنع المزيد من الضرر لسكان غزة، ومن الممكن أن تؤدي المفاوضات إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، ورفع الحصار عن غزة. ومع ذلك، فإن التفاوض مع حماس يمكن أن يضفي الشرعية على الجماعة، التي صنفتها الولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية.
اجتذب الصراع بين حماس وإسرائيل اهتماما كبيرا من المجتمع الدولي، وكانت الاستجابة متباينة، حيث أدانت بعض الدول تصرفات إسرائيل بينما دعمت دول أخرى حقها في الدفاع عن نفسها، ولعبت القوى الإقليمية مثل مصر وقطر أيضًا دورًا في وقف إطلاق النار، ولا تزال الجهود الدبلوماسية لحل الصراع مستمرة، مع مبادرات السلام المختلفة التي اقترحها المجتمع الدولي، ولكن انعدام الثقة بين الجانبين جعل من الصعب تحقيق سلام دائم.
الحوار والتفاوض أمران حاسمان في حل الصراعات، وقد تكون مفاوضات حماس ومرونتها هما المفتاح لإنهاء الصراع ومنع المزيد من الضرر لسكان غزة
ولعل ما شهدته القاهرة خلال الأيام الأخيرة، من استقبال وفود حمساوية ووفود إسرائيلية لوضع بنود لهدنة جديدة قد تهدئ الوضع في رفح، يشير إلى انقطاع أنفاس الطرفين في ظل حرص الوسطاء على إنهاء الأزمة وعدم الإضرار بمصلحة الجميع.
وفد حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية، عندما وصل إلى القاهرة لمناقشة الأوضاع في قطاع غزة اشترط وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين والأسرى، بينما تمسك الجانب الإسرائيلي بضرورة إطلاق سراح المدنيين الإسرائيليين دون سن الـ19 وفوق سن الـ50، مقابل أسرى فلسطينيين، على أن تتزامن عملية التبادل في هذه المرحلة مع وقف لإطلاق النار لمدة شهر ونصف الشهر.
واشترطت حماس أيضا انسحابا إسرائيليّا من قطاع غزة إلى الحدود أثناء وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المواد الغذائية دون قيود، وعودة سكان شمال قطاع غزة إلى مناطقهم، وطالبت بإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من الفئة ذاتها، إضافة إلى 1500 أسير آخر تسمي الحركة 500 منهم، فيبدو أن الحركة لينت مواقفها في ظل استمرار الموقف المصري بتحقيق استجابة مماثلة من الوفد الإسرائيلي، مع مواصلة الضغط للوصول إلى اتفاق قبيل حلول شهر رمضان.
فهل يخضع الطرفان ويكتمل الاتفاق وتحدث هدنة تطيب جراح المدنيين؟
في نهاية المطاف نجد أنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم إلا من خلال المفاوضات والاستعداد لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، ويجب على المجتمع الدولي أن يواصل العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي وعادل، حل يضمن سلامة وأمن جميع الأطراف المعنية، عن طريق الدخول في حوار هادف والعمل على تحقيق رؤية مستقبلية مشتركة.
عبدالباري فياض – كاتب صحفي فلسطيني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة