لعل تنظيم «داعش» هو الأكثر شهرة بين التنظيمات المتطرفة المتورطة في أعمال إرهابية على مستوى العالم. ومنذ انطلاقته في العراق وتمدده في سوريا، والعالم يراقبه عن كثب ويسعى لمحاربته والحد من تمدّده. لقد استغل التنظيمُ التوتراتِ الطائفيةَ في العراق ليقوم على أنقاض «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» وفلول نظام حزب البعث الذي وجد نفسه خارج اللعبة بعد سقوط النظام عام 2003. ولإضفاء شرعية المقاومة للاحتلال تم اختيار اسم «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق»، ليتمدد بعدها في سوريا، مستغلاً الصراع الذي انقدحت شرارته في 2011، ليتحول الاسم إلى «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام».إن تمدد التنظيم الميداني على أراضي البلدين صاحبه استدعاء للتاريخ الإسلامي، كون سوريا والعراق يحويان حاضرتي الدولتين الأموية والعباسية.
ومن أجل كسب شرعية «الخلافة الإسلامية» فإن التنظيم ينتهج تطبيق تفسير متشدد للشريعة الإسلامية ضد مخالفيه؛ وذلك لإرسال رسالتين: الأولى أنه لا تأخذه لومة لائم، والأخرى أن من يحاول مجابهة «الدولة الإسلامية» سينال عقاباً مرعباً. تشكل قوة التنظيم وأجندته التوسعية تهديداً مزداداً لدول العالم الإسلامي وشركائهم الدوليين، حيث إن فكرة الخلافة العابرة للحدود تجعل من «داعش» تنظيماً دولياً يتطلع لإقامة دولة لا تعترف بالقانون الدولي، بل تجمعها الخلافة المزعومة، ولذلك تمدد تنظيم الدولة لمناطق تبعد آلاف الكيلومترات عن العراق والشام. وقد أعلن التنظيم عن إنشاء ثماني ولايات خارج العراق وسوريا؛ هي: خراسان (أفغانستان وباكستان) والجزائر والقوقاز ومصر وليبيا وجزيرة العرب (المملكة العربية السعودية) واليمن، والساحل الأفريقي – غرب أفريقيا.
إن الخطر الدولي لتنظيم «داعش» اليوم يتركز في منطقتين: إقليم خراسان – أفغانستان التي ينشط فيها التنظيم متحدياً سلطة «طالبان» ومزايداً عليها في التشدد، وهذا ما ينقله الإعلام لنا بشكل يومي. غير أن القسم الأكثر خطورة هو فرع التنظيم في الساحل الأفريقي (الحزام الممتد بين الصحراء الكبرى شمالاً والسودان جنوباً، ومن الصومال شرقاً إلى السنغال غرباً).
هذه المنطقة المعروفة بشدة ظروفها المناخية وشظف العيش الذي يعانيه سكانها تتعرض اليوم لهجمات يومية من قبل التنظيم الدولي.وثمة عدة عوامل لعبت دوراً في تمدد تنظيم الدولة في تلك المنطقة المغيبة عن الإعلام. وبنظرة على دول المنطقة، نجدُ أن معظمها قد حصلت على استقلالها في الستينات من القرن العشرين.
ومنذ ذلك الوقت، ظهرت الحركات المتطرفة نتيجة لضعف الحكومات التي ولدت فاقدة للشرعية بسبب عجزها عن توفير أبسط مقومات الحياة لشعوبها في ظل التدهور الاقتصادي والآثار المتفاقمة لتغير المناخ.
وعليه، فقد تصاعد العنف والصراع والجريمة على مدى العقد الماضي، متجاوزاً الحدود الجغرافية لتلك الدول، فارضاً تحديات كبيرة داخل وخارج المنطقة على حد سواء. وقد أدى سقوط نظام القذافي في ليبيا عام 2011، إلى ازدياد انتشار السلاح في المنطقة. كما أدى تدفق المتطرفين إلى شمال دولة مالي إلى إشعال تمرد الطوارق الذين كان مسلحوهم في حالة خمود لسنوات، ورغم أن نسبة الطوارق لا تتجاوز 10 في المائة من سكان مالي، فإنهم منظمون ويسعون إلى إقامة دولة مستقلة وتحالفوا مع مجموعات متطرفة متعددة، بما في ذلك تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
وسبق وانتشرت بعض التسجيلات لحركة الشباب في الصومال وهم ينفذون حد السرقة في رِجالٍ يبدو عليهم الفقر. ومن الملفت للنظر تجمع بعض الأهالي وترحيبهم بفكرة تنفيذ العقوبات الجسدية على «مخالفي قوانين الشريعة» في دول ترزح تحت خط الفقر الذي من أحد مسبباته الفساد المالي والإداري لتلك التنظيمات المتطرفة التي تسيطر على مناطق الساحل الأفريقي. إن فكرة كون العدالة تبدأ بعقاب السراق الصغار تناسب المجتمعات البدائية التي غيّب الجهل عنها أن تطبيق الشريعة أوسع من مجرد قطع يد السارق أو رجم الزاني أو إعدام المرتد. لكن التنظيمات المتطرفة العاجزة عن توفير الرخاء لمحكوميها تقوم بدغدغة مشاعرهم بأن طريق العدل يبدأ من خلال تنقية المجتمع من الفساد الأخلاقي.
إن تمدد ولاية غرب أفريقيا أمر شبه مغيّب عن الإعلام العربي، رغم أن تقارير مجلس الأمن الدولي تشير إلى أن الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش – ولاية غرب أفريقيا فاقت في وحشيتها تلك الهجمات التي نفذتها حركة «بوكو حرام»، التي كانت تصنف بأنها المنظمة الأكثر تطرفاً في القارة الأفريقية. والجدير بالذكر أن «بوكو حرام» نفسها قد قامت بمبايعة تنظيم الدولة عام 2015 لتصبح جزءاً منه. بالمقابل، فإن صعود «داعش» في أفريقيا أدى إلى تدخل دول الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا، إضافة إلى روسيا وشركة «فاغنر» المشهورة بتجنيد المرتزقة للقتال بالمنطقة.
إن الأنشطة المتطرفة التي يقودها «داعش أفريقيا» تلقي بظلالها على بقية العالم، لا سيما المنطقة العربية. فالساحل الأفريقي اليوم يعد خزاناً بشرياً للتطرف يتجاوز في خطورته أفغانستان ما قبل 2001، ولذلك يجب على حكومات المنطقة التنبه لهذا الخطر الكامن الذي قد يمتد لبلادنا في أي لحظة. فتنظيم الدولة العابر للحدود يجد في المملكة العدو الأبرز كونها تحتضن الحرمين الشريفين، والمؤسسات التي تجمع دول العالم الإسلامي.
وبما أن الهدف المعلن هو «الخلافة الإسلامية الجامعة»، فإن المملكة ستظل هدفاً لهذا التنظيم الإرهابي الذي يستمد شرعيته من إحياء الخلافة. لذلك وجب الحذر وأخذ تهديدات «داعش أفريقيا» على محمل الجد.
د. عبد الله فيصل آل ربح – باحث في معهد الشرق الأوسط – واشنطن – الشرق الأوسط
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة