زعماء أحزاب الفساد والقتل مرعوبون من اقتراب لحظة السقوط والنهاية، يسارعون إلى بحث وسائل قمع جديدة للشباب بأساليب أكثر شراسة.
تحذيرات مكثفة أطلقها بعض قادة أحزاب الإسلام السياسي الحاكم في العراق مما يسمونها “حرب شيعية – شيعية”، والملفت أن أكثر اثنين من قادة هذه الأحزاب ترديدا لهذه النغمة الجديدة هما الخصمان نوري المالكي ومقتدى الصدر، طبعا لكل منهما تكتيكاته الخاصة لتسويق هذا الشعار في الظرف الحالي، الذي حسم فيه شعب العراق وثواره الشباب قرارهم النهائي، بعزل أحزاب القتل والفساد عن المسيرة السياسية، وحسم أمرها في الانتخابات المبكرة في يونيو 2021، رغم تحفظات الكثير من الوطنيين العراقيين على بقاء أركان النظام السياسي في إدارة الحكم في العراق بعد تلك الانتخابات.
كان متوقعا ألا تمر مناسبة مرور عام على ثورة أكتوبر العراقية دون حصول تطور جدّي، يعزز مشروع تصفيتها، بعد فشل فقراته الممزوجة بمكر وخبث، ما بين التصفيات الجسدية والاختطافات، وبين التشويه السياسي والأخلاقي لهؤلاء الشباب، ودس عناصر ميليشياوية خصوصا من أتباع مقتدى الصدر، الباحث عن المجد الشخصي كزعيم للمقاومين، وقد منحه هذا الشرف أخيرا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بوصفه “سيد المقاومة”، في سلب متعمّد أو غير متعمد لهذا العنوان، الذي اكتسبه زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، قبل أن يطوي صفحة المقاومة في موافقته على ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ولا ندري إذا قبل مقتدى الصدر هذا العنوان للعراق فقط أم للعالمين العربي والإسلامي.
أظهرت مقاطع فيديو الاعتداءات ضد الشباب المتظاهرين في كربلاء، بمناسبة ذكرى أربعينية وفاة الحسين، ولم يتحمل الموالون لطهران من الشيعة أن يرفع الشباب في هذه المناسبة شعارات “الموت لإيران وأميركا” فانهالت مجاميع بالزي العسكري بالضرب على المتظاهرين، وهم يحملون صور الشهداء من زملائهم. وأفاد ناشطون لوكالات عالمية بأن عناصر إيرانية من الحرس الثوري شاركت بهذا الهجوم، فيما تحركت تجمعات مناوئة للشباب رفعت صور القتيل الإيراني قاسم سليماني. واستغاث الثوار بنداء وجّهوه للمرجع الشيعي السيستاني الصامت عن هذه المجازر خوفا من ضياع النظام السياسي.
يعود مقتدى الصدر مجددا أكثر جرأة في شتمه للثوار ووصفهم مجددا بـ”البعثية” وطلبه من عشائر الناصرية “تأديب” شبابهم، مما دفع رئيس قبيلة “العبودة” حسين الخيون للرد على تحريض الصدر بقوله “نحن وقفنا مع شبابنا من أول أيام وتحملنا ما تحملناه من اتهامات ومحاولات اغتيال وكان همّنا الحفاظ على الأرواح وعلى السلمية في نفس الوقت، الناصرية رمز من رموز ثورة الشباب إلى جانب البصرة وكربلاء وبغداد”.
ليس غريبا أن تنطلق ثورة القرن الحادي والعشرين من الناصرية التي تحتفظ بتاريخ عريق؛ فيها سُن أول دستور عرفته الإنسانية، كتبه السومريون في الألف الثاني قبل الميلاد. وأنتجت في التاريخ السياسي المعاصر أبرز قادة الأحزاب الوطنية كالحزب الشيوعي، يوسف سلمان – فهد، وفؤاد الركابي حزب البعث. هي مدينة الشعراء كمحمد الحبوبي، ومصنع الإبداع الغنائي كداخل حسن وحسين نعمة وطالب القره غولي، وغيرهم من كواكب الإبداع. لا تستحق الناصرية وصفها من أحد مدّعي ثقافة السلطة الشيعية بأنها “الشجرة الخبيثة”، ويتطاول على شبابها رجل الدين مقتدى الصدر.
اللعبة الخطرة الجديدة لمشروع تصفية الثورة في العراق هي الاندساس في صفوف الشباب ورفع عناوين وشعارات حزبية جديدة تمويهية قبل الانتخابات من أجل التفرغ لمخطط التصفية النهائية للثورة العراقية
يتحدثون اليوم، وبإملاءات من ولي الفقيه الإيراني خامنئي، عن مخاطر حرب شيعية – شيعية، وأول المتحدثين عن هذه المخاطر نوري المالكي، الذي ارتبط اسمه بفساد السلطة وقمعها الطائفي، وهو الذي قاد الحملة المسلحة “صولة الفرسان” ضد ميليشيا جيش المهدي بقيادة الصدر في البصرة عام 2008، بسبب نزاع تقاسم السلطة الذي مازال خطره متصاعدا في ظل انقسامات خطيرة تهدد حكمهم، ولا يتحدثون عن طرفيها الحقيقيين، الثوار الشباب وقادة الأحزاب الشيعية وميليشياتها، بل تصل الأمور، حسب الرواية المنقولة عن مقتدى الصدر إن صحت، بوجود تحرك سياسي بين النجف وبغداد وطهران لتطويق هذه الحرب في ظل صمت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
نظام طهران يبحث عن مصالحه القومية الفارسية، ويدعم النظام الشيعي في العراق، ليس دفاعا عن الشيعة العراقيين، وإنما لأن النظام القائم ينفذ مصالح نفوذه. ولا يكترث في سحق الشيعة في العراق، في ما يسميه حربا شيعية شيعية، إن وقفوا ضد هذا النفوذ. ومثال دعمه لأرمينيا الطائفية المسيحية في الحرب الدائرة حاليا في إقليم ناغورني قره باغ، يكشف حقيقة تاريخية هي أن هذا النظام لا يدافع عن الشيعة الذين يشكلون نسبة 85 في المئة من سكان أذربيجان، فسبق للجيش الإيراني أن احتلها عام 1946، بتعاون مع الولايات المتحدة، لأن النظام فيها علماني وليس طائفيا استقل عن إيران ويشكل بقاؤه خطرا على كيان نظام ولي الفقيه في طهران.
زعماء أحزاب الفساد والقتل مرعوبون من اقتراب لحظة السقوط والنهاية، يسارعون إلى بحث وسائل قمع جديدة للشباب بأساليب أكثر شراسة، ولا يتوان الزعيم الديني مقتدى الصدر، الذي طالما تحدث عن دعمه لانتفاضة الشباب، عن وصف الشباب بالمندسين، لكن السؤال الأهم، لماذا يدخلون نظام طهران للتوسط في شأن داخلي عراقي؟ الجواب لدى أبناء العراق وشبابهم.
إذا كانت هناك حرب شيعية – شيعية يخشون وقوعها فهي في الواقع حرب شيعة السلطة، وأوليائهم في طهران، ضد شيعة العراق. ووفق هذا التوصيف فهي واقعة فعلا بين الطرف المدني المسالم الثائر، شباب شيعة العراق الذين فتحوا عهدا جديدا في هذا البلد بدعم كل العراقيين، وبين شيعة السلطة وميليشياتهم المُدجّجين بأنواع أدوات القتل. إنها حرب الشيعة المقموعين من الملايين من الفقراء الذين ادعى مقتدى الصدر تمثيلهم. وليس غريبا أن تكون خارطتها الجغرافية الناصرية، الأكثر حرمانا بين مدن جنوبي العراق، والبصرة مدينة الصمود، وكربلاء الثائرة ومركز العاصمة بغداد المختطفة.
اللعبة الخطرة الجديدة لمشروع تصفية الثورة، الاندساس إلى صفوف الشباب ورفع عناوين حزبية جديدة تمويهية قبل الانتخابات، من بين ناشطين من الميليشيات الولائية، التي أعلنت الهدنة المؤقتة في حرب الكاتيوشا مع واشنطن في بيان جديد بتوقيع “الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية” من أجل التفرّغ لمخطط التصفية النهائية للثورة العراقية.
ما يحصل حاليا بين شباب الثورة وحاضنتها من القبائل العربية الأصيلة، في مدن الجنوب وجميع فئات شعب العراق المنكوب، وبين الأحزاب الشيعية وميليشياتها ومن خلفها النظام المأزوم في طهران، هو اللعب على “المكشوف” في منطق المقامرين، ويعني رمي آخر الأوراق على الطاولة. أما في منطق ثورات الشعوب فإن انكشاف الخنادق وأحجامها يُعزّز قوة الثوار، ويُسهل تحقيق أهدافهم بأقصر وقت، وهذا ما يتحقق اليوم في العراق.
د. ماجد السامرائي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة