حركة حماس لا تملك شيئا تخسره في الحرب فهي تراهن على شعب كانت قد اختطفته وتنتظر المفاوضات لتبدو منتصرة بالرغم من كل الخراب الذي يُلحق بغزة وتضع شعبا ضحية لمشروعها الإسلامي الغامض.
لعبة إيرانية مئة في المئة
كانت حرب غزة مناسبة للهجاء الشعبوي الموجه إلى النظام السياسي العربي كما لو أنه المسؤول المباشر عن الكارثة التي تعرض لها شعب غزة. حفلة ردح وقدح لم تصدر منها كلمة واحدة في اتجاه إيران التي أدارت ظهرها صامتة وهي التي كانت دائما تقدم حركة حماس جزءا من المقاومة الإسلامية التي هي جزء من واجهتها في حربها الدائمة على العالم.
وبالرغم من كل المآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني فإن هذه الحرب تختلف عن الحروب السابقة كونها لم تبدأ بعدوان إسرائيلي، بل جاء العدوان ردا على ما قامت به حركة حماس من هجوم مباغت وهو أمر يبيحه الوضع الإنساني اليائس الذي يعيشه أهل غزة ولا تبيحه الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. مع العلم أن إسرائيل لم تكترث بتلك الاتفاقات واضعة نصب عينيها أن قطاع غزة لم يعد جزءا من فلسطين منذ أن استقلت حركة حماس به عن السلطة الفلسطينية.
لا تعترف حركة حماس بالسلطة الفلسطينية وليس معقولا أن تعترف السلطة بغزة كيانا سياسيا مستقلا. هناك تقع دولة حماس التي هي ليست جزءا من دولة فلسطين. واقعيا لا يحق للسلطة أن تتدخل في شؤون غزة وتدافع عن حكامها الذين استقلوا بها. أما العرب الذين نالهم كالعادة سيل من الهجاء فلا بد أن يكون لهم موقف ينسجم مع رؤيتهم السياسية. فاللعبة إيرانية مئة بالمئة. وحماس لا تحترم النظام السياسي العربي وهي تعمل وفق أجندة معادية له. السؤال الآن “هل استشارت حماس أحدا من العرب في ما كانت تنوي القيام به؟”.
يعتقد البعض ممَن تسيطر عليهم عواطف لا علاقة لها بعالم السياسة أن على العرب أن ينجروا وراء حماس في مغامراتها، من غير الأخذ بالاعتبار أن العرب ليسوا قبائل، بل دول تعيش في إطار مجتمع دولي تربطها به الاتفاقيات والمواثيق التي هي بمثابة قوانين يجب الالتزام بها. وحين رفضت مصر الخطة الإسرائيلية لتسفير سكان غزة إلى سيناء فإنها التزمت بسيادتها. أما أن يطالب الهجاؤون الجيوش العربية بأن تصطف وراء ميليشيا مرتبطة بإيران عقائديا وعسكريا فإنه أمر يشبه الجنون.
◙ حركة حماس قد أعطت لإسرائيل سببا لارتكاب جرائمها في حق الشعب الفلسطيني وكانت الدول العربية محقة وهي تحاول دفع الشر عن الشعب الفلسطيني من غير أن تقف وراء حركة حماس
دائما كان قادة إسرائيل مجانين حرب. إسرائيل أصلا كما تأسست هي دولة حرب. لا أحد يعرف ذلك أكثر من زعماء حماس الذين يديرون حربهم من قطر التي استقبلتهم بناء على طلب من الولايات المتحدة. ولكن لعبة الحرب التي يراقبها أولئك الزعماء من خلال شاشة قناة الجزيرة هي في حقيقتها مجال حيوي يمارس من خلاله قادة إسرائيل جنونهم. هل كان على العرب وبالأخص مصر التي لم يتعرض جيشها إلى الانهيار مثلما حدث لجيوش الدول الأخرى أن يدخلوا إلى ذلك الملعب الذي ركبت فيه حماس حصان مغامرتها؟
لا تملك حركة حماس شيئا تخسره في الحرب. فهي تراهن على شعب كانت قد اختطفته وهو ليس شعبها. وهي تنتظر المفاوضات لتبدو منتصرة بالرغم من كل الخراب الذي يُلحق بغزة. كما أنها تضع شعبا ضحية لمشروعها الإسلامي الغامض الذي هو بالتأكيد لا يدخل في إطار النضال الوطني الفلسطيني. أرادت حماس أن تحرج النظام السياسي العربي قبل أن تجر إسرائيل إلى الحرب.
وما الهجاء الذي تم توجيهه إلى العرب بسبب تقاعسهم عن المشاركة في الحرب إلا جزء من ذلك الموقف المريب الذي بيتته حماس وهي التي لم تعلق على الموقف الإيراني الصامت. لم يقل أحد في حماس “لقد تركونا وحدنا” أو “غدروا بنا”. كان هناك تنسيق عالي المستوى بين إيران وحماس لتوريط العرب في حرب لن يخرجوا منها إلا مهزومين لأن العالم كله سيكون ضدهم.
حركة حماس لا ترى العالم جيدا وهي في حقيقتها لا تعرف ما يجري في العالم العربي. كما أنها بشكل أساسي لا تعرف عدوها. لن يقبل المتحمسون أن يُقال إن حركة حماس ارتكبت خطأ صار على أهل غزة أن يدفعوا ثمنه. حتى أصدقاء الشعب الفلسطيني يفرقون اليوم بين الشعب الفلسطيني وبين حركة حماس. ما يأسف عليه الجميع أن حركة حماس قد أعطت لإسرائيل سببا لارتكاب جرائمها في حق الشعب الفلسطيني وكانت الدول العربية محقة وهي تحاول دفع الشر عن الشعب الفلسطيني من غير أن تقف وراء حركة حماس.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة