“داعش الحقيقي في الطريق إليكم” جملة مشؤومة غير أنها الجملة التي يجب أن تُقال، فهي تعبر عن الحقيقة.
إذا كانت الشكوك تحوم حول حقيقة تأسيس تنظيم داعش الإرهابي وما هي الجهة الخفية التي تقف وراءه، فإن داعش الحقيقي لم يولد بعد.
فإذا كان جيل داعش قد تألف من مجموعات من المرتزقة القادمين من أماكن مختلفة مدفوعين بأسباب مختلفة، منها ما هو عقائدي مرتبط بنوع من الهوس الديني، ومنها ما هو نفعي بحثا عن المال والمغامرة الشيقة التي تقود إليه، فإن الجيل القادم سيكون ابن العزل والحرمان والتمييز والنفي الذي تمارسه المجتمعات في حق الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين لمقاتلي داعش المهزومين.
جيل يتشكل في المخيمات المنبوذة التي تبرأت المجتمعات من المقيمين فيها وصارت الدول تنظر إليها باعتبارها مناطق موبوءة، فُرض عليها الحصار الذي لا يعرف أحد متى ينتهي والكيفية التي ستتم من خلالها تلك النهاية. وهل ستكون هناك فكرة أو طريقة لدمج أولئك الأيتام بالمجتمعات المحيطة؟
ولكن لا شيء يشير إلى أن الأمور ستسير بطريقة حسنة. فالدول قبل المجتمعات تصرفت بطريقة سيئة مع أولئك الضحايا الذين حُمّلوا تبعات ذنب لم يرتكبوه. لقد جاؤوا من المجهول الذي لم يحفظ لهم كرامتهم.
يكفي أن صفة “أيتام داعش” ستكون لصيقة بهم عبر سنوات عمرهم الذي سيقضونه في حالة تأنيب كما لو أنهم ارتكبوا لتوهم ذنبا لا يمكن غفرانه. ولكن ذلك هو الآخر سيكون عصيا على المنال بالنسبة لسكان المخيمات التي يُطلق عليها مخيمات داعش والتي ستكون نواة لمدن لن تتمتع بأي نوع من الخدمات. فلا مؤسسات تعليمية أو صحية أو اقتصادية أو إرشادية أو بنيوية.
ستكون تلك المدن بمثابة مستنقعات للجهل والفاقة والفقر والحرمان والكراهية والحقد الذي سيكون بمثابة نبش في الإرث الشخصي. حينها سيكتشف كل واحد من سكان تلك المخيمات، أن أباه كان على حق في كراهيته لتلك المجتمعات الطاردة التي عرضت عليه مبدأ الكراهية شرطا للوجود. ما تفعله الدول اليوم هو في غاية الخساسة إنها تستقوي على مخيمات، وذلك سلوك غبي يؤدي إلى خنق المخيمات وإلى صناعة جيل من الدواعش يكون التخلص منه أمرا معقدا وصعبا
أيتام داعش هم السلالة الحقيقية للإرهاب المنظم الذي لا يفرق بين أسبابه. سيكون الفرد يومها معلما وتلميذا. تلك المخيمات هي مدارس عظمى للإرهاب. وإذا ما كان تنظيم داعش التاريخي قد تألف عن طريق صدفة تخص كل مقاتل من مقاتليه، فإن التنظيم الحقيقي سينشأ من حدث جماعي لا يمكن التصدي لعمق تأثيره. لقد سمحت المجتمعات لأولئك الأبرياء بأن يكونوا دواعش بإيمان عميق من غير أن يكونوا راغبين في ذلك.
لقد تصرفت الدول سواء تلك المعنية بشكل مباشر كالعراق، أو تلك التي يصيبها من داعش سهم كما هو الحال مع فرنسا، بغباء مطلق حين تخلت عن أطفال كان من الممكن دمجهم بالمجتمعات وتأهيلهم لأن يكونوا أفرادا صالحين. قد يكون بعضهم علماء. قد يكون البعض مفكرين وأدباء. ذلك ليس مستبعدا. غير أنها تركتهم للحقد. لم يكونوا سوى أيتام داعش. ذلك لقبهم الذي سيعبر بهم ويعبرون به إلى المستقبل.
ليسوا في حاجة إلى أحد لكي يمولهم أو يلقنهم أو يغريهم من أجل أن يكونوا دواعش. أقنعهم المجتمع بأنهم لن يكونوا سوى ذلك حين تعامل معهم بطريقة رثة أهانت إنسانيتهم وأضاعت كرامتهم، كما أنهم لن يجدوا أمامهم سوى الإرث الداعشي منهلا يتعلمون منه أبجدية الحياة.
يميل الإعلاميون إلى أن يسموا تلك الظاهرة بالقنبلة المؤجلة، غير أنها في الحقيقة تشكل العار الذي يكشف عن نوع المجتمع الذي لا يملك القدرة على تربية أفراده أو إعادة تربيتهم.
ما تفعله الدول اليوم هو في غاية الخساسة والتفاهة. إنها تستقوي على مخيمات. ذلك سلوك غبي لن تكون نتائجه في كل الأحوال حميدة. فعن طريق الاستقواء يتم خنق المخيمات وهو ما يؤدي إلى صناعة جيل من الدواعش سيكون التخلص منه أمرا معقدا وصعبا.
إنه الجيل الذي سيكون مؤهلا لتشكيل تنظيم داعش الجديد الذي سيكون أقوى من داعش الأصل. ذلك التنظيم الذي لن يحتاج المرء إلى البحث عن الجهة التي قامت بتأسيسه. فالمجتمع الذي عجز عن احتواء أولئك الضحايا الأبرياء، هو المسؤول وهو الذي سيكون عليه أن يدفع الثمن.
أما بالنسبة لأولئك الأطفال فإنهم لم يرثوا فكرة أن يكونوا دواعش، إلا لأن المجتمع المحيط بمخيمات إقامتهم أراد لهم أن يكونوا كذلك. كان من الممكن أن يكونوا مواطنين عراقيين أو سوريين أو فرنسيين أو تونسيين صالحين، غير أن الدول التي رفضت احتواءهم صنعت منهم دواعش. وهم دواعش من طراز مختلف، هو أشبه بطراز الإرهابيين الذين تخرجوا من السجون الأميركية بعد احتلال العراق.
“داعش الحقيقي في الطريق إليكم” جملة مشؤومة غير أنها الجملة التي يجب أن تُقال، فهي تعبر عن الحقيقة.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة