لا يمكن الحديث عن رقم نهائي لأعداد أسرى «داعش» الإرهابي؛ حيث لا تزال عمليات التمشيط التي تقوم بها «قوات سوريا الديمقراطية» مستمرة بعد إنهاء «داعش» جغرافياً وعسكرياً. ولا تزال الأجهزة الأمنية التي تتبع الإدارة الذاتية تتقصى عن خلايا التنظيم النائمة. إلا أننا يمكن الحديث عن أكثر من 5000 مقاتل ونحو 70 ألفاً من عوائل هؤلاء المقاتلين ينتمون إلى أكثر من خمسين جنسية عربية ودولية. هؤلاء الأسرى مقيمون في مراكز خاصة ويتم التعامل معهم وفق قانون معاملة أسرى الحرب النافذ عالمياً، وتقيم تلك العوائل في مخيمات بُنيت بجهود ذاتية وتتلقى اليسير من منظمات تأسست بدعوى الشؤون الإنسانية.
على الرغم من أن دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد سعت بشكل لافت ومنذ ما يقرب العام إلى إقناع الأسرة الدولية وبشكل خاص منها أعضاء التحالف الدولي ضد الإرهاب البالغ عدده 79 دولة، بأن تتحمل مسؤولياتها في ذلك. إلا أن الاستجابة لمختلف الأطراف جاءت ما بين متواضعة جداً والرفض، وفي بعض الأحايين جاءت مجزأة؛ أما التجزئة فيُعنى بها أن بعض الجهات أبدت الاستعداد الفعلي لأخذ الأطفال أو النساء دون غيرهم. لنكون بالمجمل أمام حالة خطرة كمن يؤوي قنابل موقوتة. أما خيار تأسيس محكمة دولية مختصة لمحاكمة المجرمين والفاعلين والمساهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفق قانون الإرهاب النافذ المتعارف عليه أممياً فيحمل جوانب عدة، أهمها الجانب القيمي الإنساني، أي من وقع عليه الأذى ودفع أكلافاً باهظة، فمن المهم محاكمة الجناة في المحل نفسه الذي ارتكبوا فيه جرائمهم الإرهابية، كما يمكن أن تكون بعلاقة وتماس مباشر وكخطوة استباقية في الأماكن نفسها التي تصر «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية أن تتنشط؛ في حال تأسيس هذه المحكمة سيكون بتأثيرات إيجابية على الجميع؛ لن يستثنى من ذلك سوى الداعمين الفعليين للإرهاب، إضافة إلى إعادة تأهيل الدمج الآمن لهذه العوائل في المجتمع.
مع ما تقدم، فإنه من الضروري أن تحظى «قوات سوريا الديمقراطية»، بصفتها أهم رمز عالمي بالضد من الإرهاب، وبأن يحظى مظلته السياسية مجلس «سوريا الديمقراطية» على دور يليق بالتضحيات الجسام المقدمة؛ أي قد تكون هذه الخطوة تخدم في نقل مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من حالة ثورية – هزمت «الدولة السوداء» وحمت مكونات المنطقة والإقليم والعالم فحققت الأمن المجتمعي في شمال سوريا وكامل شرق الفرات – إلى حالة نموذج وماهية حل سياسي لكل الأزمة السورية من خلال مشروع الحل اللامركزي الديمقراطي، أي الإدارة الذاتية؛ أي سوريا الجديدة المتألفة من إدارات ذاتية، إلى جانب أمور أخرى تتضح حين التأسيس.
نتحدث عن أكثر من خمسين جنسية ينتمي إليها عناصر التنظيم الإرهابي. ما بعد تحرير الباغوز عرضت تقارير إعلامية مباشرة؛ أهمها موفدة «العربية – الحدث»؛ إلى بعض المراكز التي تحتجز هؤلاء الإرهابيين، لنجد أنهم إما يحملون جوازات سفر تركية أو جوازات بلدانهم ممهوراً عليها أختام المطارات التركية. منذ بداية الأزمة السورية لعبت تركيا الدور الأسوأ في تجميع وحشد وتدريب الجماعات المسلحة، ومن ثم توجيهها إلى سوريا. أمَّن التنظيم الإرهابي ملايين البراميل المسروقة من سوريا إلى تركيا. لا ننسى آثار سوريا. لا ننسى آلاف المعامل من حلب حتى أصغر القطع لتستقر بيسر في تركيا. بات هؤلاء بمثابة العصا السوداء في تحقيق أجندة النظام التركي.
روسيا في أزمة إسقاط الطائرة الروسية سوخوي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، كشفت وقتها عن عشرات التقارير التي تثبت تورط أنقرة في دعم الإرهاب. أميركا أيضاً تؤكد من خلال تقاريرها الحديثة، أن أكثر من مائة من العناصر الإرهابية يأتون شهرياً من تركيا إلى سوريا.
إذا ما استثنينا قطر شريك النظام التركي؛ فإن بلدان الخليج العربي وليبيا ومصر بشكل خاص تدرك الخطر المشكل من قبل أنقرة على هذه البلدان.
تسييس الإرهاب أو رفض تأسيس محكمة جنايات خاصة بمحاكمة «داعش» في شمال وشرق سوريا أخطر من الإرهاب نفسه. على الرغم من أننا لم نسمع بشكل رسمي حتى اللحظة بأن جهة ما ترفض إقامة محكمة دولية في شمال وشرق سوريا؛ لكن حينما نصرّ على إقامة هذه المحكمة فإنه يؤكد حقيقة أخرى مفادها أن من حق السوريين والعالم معرفة مصير هؤلاء، والتعامل بمكاشفة ووضوح مع ملف أسرى «داعش».
الشعوب في تركيا تكون أكبر الجهات المستفيدة من إظهار الحقائق في مسلّمة دعم النظام التركي للتنظيمات الإرهابية؛ وإلّا أصبحوا أمام مشكلة كبيرة في الفترة أو الفترات المقبلة. النظام التركي قام بزرع الإرهاب وتثبيته فكرياً وفيزيائياً، ودعمه مالياً ومادياً في المجتمع التركي؛ هذه الزراعة لا يمكن التحكم بتداعياتها على البيئة التي تنمو وتتقوى فيها. الكل متضرر، أو الكل يكون في أمان حين كشف الحقيقة وإظهارها ومحاسبة الفاعلين الأساسيين وتقديمهم لهذه المحكمة أو محكمة الجنايات الدولية العامة. مثالاً؛ حدث مؤخراً تطورات خطيرة في المجتمع التركي يتحمل مسؤوليتها النظام التركي. هل نتصور مدى الخطورة في تدريس مادة تحض على القتال (التطرف) في المرحلة الابتدائية للمدارس التركية؟ إذا ما لم تتم معالجة ذلك، فإن هؤلاء سيفتشون لاحقاً إذْ لم نقل إنه يتحضر بالأساس لذلك عن جهات تجاهد ألّا تكون لها قائمة. وفي منطق النظام التركي شيء واحد فقط اسمه الميثاق المللي وعودة ما تسمى بالسلطنة العثمانية. ولهذا المنطق استطالة بغيضة بات الكل يدركها: من ليس مع السلطان فهو ضد الأمن القومي التركي.
سيهانوك ديبو – كاتب وسياسي سوري – صحيفة الشرق الأوسط
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة