إسرائيل فشلت في توجيه ضربة قاتلة لحماس. ولم تصل بعد أربعة أشهر من الحرب إلى كبار قادة حماس في غزة.
تشدد نتنياهو وحماس أربك مهمة بلينكن
شددت الحرب المواقف الإسرائيلية والفلسطينية. وتبدو السعودية من جهتها حريصة على وضع اللمسات الأخيرة على صفقة تشمل الاعتراف بإسرائيل مقابل اتفاقية دفاعية.
لكن العقبات التي تحول دون تأمين وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن الـ136 المتبقين الذين تحتجزهم حماس وجثث الأسرى الذين قتلوا في غزة مقابل الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية متعددة.
وارتفعت المخاطر حين ترك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فارغ اليدين برفضه اقتراح حماس لوقف إطلاق النار لفترة طويلة وتبادل الأسرى ووصفه بالـ”مجنون”.
وألمح نتنياهو إلى أنه لا توجد حاجة للتعامل مع حماس قائلا “أوشكنا على تحقيق نصر كامل”، مضيفا أن إسرائيل “لن تفعل أقل من ذلك”.
◙ الاهتمام السعودي بصفقة تشمل إسرائيل أثناء وجود الرئيس الأميركي جو بايدن في منصبه مدفوعا بالقلق من أن الولايات المتحدة ستكون أقل ميلا للالتزام بضمان أمن المملكة
ووصف بلينكن اتفاق وقف إطلاق النار بالـ”ضروري”، مما أثار تساؤلا حول ما إذا كانت العلاقات الإسرائيلية – الأميركية قد بلغت مرحلة سيتوجب خلالها على الولايات المتحدة ممارسة ضغط علني بدلا من الحفاظ على نهجها الحالي تجاه نتنياهو.
وقال بلينكن “هناك أمور من الواضح أنها غير مقبولة في رد حماس. نرى أن ذلك يفسح مساحة لبلوغ اتفاق. ونحن نجتهد في ذلك حتى التوصل إليه”.
وليس بلينكن وحده الذي يعتقد ذلك، فقد توجه وفد من حماس إلى القاهرة لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين بعد 24 ساعة فقط من رفض نتنياهو مطالب الحركة.
وأشارت مصادر مقربة من حماس إلى أن الوفد سيناقش الترتيبات اللوجستية لتبادل الأسرى وتعزيز تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
واقترحت حماس هدنة لـ135 يوما تشمل ثلاث مراحل تبلغ مدة كل منها 45 يوما. وسيمكن خلالها تبادل الرهائن المتبقين وجثث الأسرى الذين قتلوا في غزة مقابل عدد غير محدد من الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
ويعطّل رفض إسرائيل للخطة محادثات وقف إطلاق النار، وجهود الولايات المتحدة للتوصّل إلى صفقة شاملة تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وستشمل الصفقة التزاما دفاعيا أميركيا ملزما قانونا للرياض، ودعم الولايات المتحدة لبرنامج نووي مدني سعودي، ووصول سعودي غير مقيد إلى الأسلحة الأميركية، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وعلاقات دبلوماسية بين المملكة وإسرائيل.
ورغم التأكيدات المتواصلة من قبل نتنياهو على النصر، تبقى الحقيقة أن إسرائيل فشلت في توجيه ضربة قاتلة لحماس. ولم تصل بعد أربعة أشهر من الحرب إلى كبار قادة حماس في غزة.
ويتفاقم فشل إسرائيل بسبب التشويه الشديد لمكانتها الدولية إثر سلوكها الحربي، الذي من المرجح أن تطارد عواقبه الدولة العبرية لفترة طويلة بعد صمت المدافع في غزة.
وتشجعت حماس بفشل إسرائيل وتدهور سمعتها، وهي تعتقد، مثل تل أبيب، أن المواقف المتصلبة ستجبر الجانب الآخر على الاستسلام في نهاية المطاف.
◙ وفد من حماس توجّه إلى القاهرة لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين بعد 24 ساعة فقط من رفض نتنياهو مطالب الحركة
لكن تصريحاتها المتشددة تعقّد جهود إنهاء الحرب وتسهيل إقامة دولة فلسطينية. وتنطبق بهذا مع التصريحات الإسرائيلية المتشددة التي تغذي صدمة الحرب في غزة.
وخلقت الصدمة في إسرائيل عقلية “القلعة المحاصرة”، حيث هاجمت الدولة العبرية مثل كائن جريح وأعمى فقتلت أكثر من 27 ألف شخص في هجومها المستمر منذ أربعة أشهر على غزة.
وفي أحدث تصريح لحماس بدا جزءا من حرب كلامية بين الصم، قال علي بركة، وهو مسؤول مقيم في بيروت، لقناة “المنار” التابعة لميليشيا حزب الله، إنه “يمكننا تكرار 7 أكتوبر عدة مرات… المقاتلون العرب… اقتحموا غلاف غزة وسيقتحمون الجليل غدا. سيقتحمون من أيّ مكان يستطيعون”.
وتعزز تصريحات كهذه عناد نتنياهو. ويُذكر أن أهدافه المتمثلة في تدمير حماس وتحرير الرهائن المتبقين تبدو غير متوافقة.
وينتقد بعض الفلسطينيين حماس علنا لاستفزازها الهجوم الإسرائيلي على غزة في سلسلة من مقالات الرأي والتصريحات في وسائل الإعلام الإسرائيلية والخليجية.
وتخدم هذه التصريحات بالفعل مصالح دول الخليج وإسرائيل. لكن هذا لا يقلل من صدقها حتى لو استحال قياس الرأي العام في غزة وتحديد كيف يمكن أن يتطور بمجرد انتهاء القتال.
وصرّح زيد الأيوبي، رئيس المركز العربي للشؤون الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث غير معروف في القدس، لقناة سكاي نيوز عربية، أن “سكان غزة يقولون اليوم: صحيح، إسرائيل تقتلنا، لكن حماس تقتلنا أيضا”.
وكتب الصحافي الفلسطيني مجدي عبدالوهاب في مجلة إيلاف الإلكترونية السعودية “كيف لا نلعن المتسبب بعد كل الدمار والخراب الذي أصاب الحجر والشجر والبشر؟ كيف يمكن ألا نلعن حماس وقادتها، وقد قضوا على كل مقومات الحياة الكريمة في قطاع غزة؟“.
وتساءل “أكانت حماس تتوقع عند هجومها ألا تردّ إسرائيل الصاع صاعين، وألا توجه لها، ولقطاع غزة، الضربة تلو الضربة، بعد غزوة بلدات غلاف قطاع غزة”.
وتتناقض الانتقادات الموجهة لحماس بشكل صارخ مع نتائج استطلاع للرأي العام أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 16 دولة عربية. ووصف 67 في المئة ممن شملهم الاستطلاع هجوم 7 أكتوبر بالـ”مشروع”، بما في ذلك 79 في المئة من فلسطينيي الضفة الغربية و58 في المئة من السعوديين المستجوبين.
ويفسّر الدعم الشعبي لهجوم حماس في 7 أكتوبر ورفض الاعتراف بإسرائيل الاختلافات الدقيقة في تصريحات بلينكن ووزارة الخارجية السعودية حول صفقة شاملة.
◙ المخاطر ارتفعت حين ترك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فارغ اليدين برفضه اقتراح حماس لوقف إطلاق النار لفترة طويلة
وقال بلينكن في حديثه في الدوحة قبل أيام إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكد على اهتمام بلاده القوي بمتابعة العلاقات مع إسرائيل بشرط “إنهاء الصراع في غزة ومسار واضح وموثوق به ومحدد زمنيا لإقامة دولة فلسطينية”.
ويبقى الاهتمام السعودي بصفقة تشمل إسرائيل أثناء وجود الرئيس الأميركي جو بايدن في منصبه مدفوعا بالقلق من أن الولايات المتحدة ستكون أقل ميلا للالتزام بضمان أمن المملكة إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
لكن وزارة الخارجية السعودية أصرّت على أن “المملكة أبلغت الإدارة الأميركية موقفها الثابت بأنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم تعترف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967”. وبدا أن البيان يتجنب التنصيص على إنشاء الدولة كشرط مسبق.
وتركت الوزارة بذلك الباب مفتوحا حول ما إذا كان الاعتراف مطلوبا قبل إقامة الدولة أو بمجرد إنشائها، وإذا كان قبل التأسيس، سواء كانت الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كلاهما هو الذي يجب أن يعترف بالدولة الفلسطينية.
لكن الغموض مهم نظرا إلى سعي وزارة الخارجية الأميركية الواضح للضغط على نتنياهو لتخفيف رفضه الدولة الفلسطينية ونهجه في مفاوضات الرهائن.
جيمس دورسي – محلل سياسي وباحث في شؤون الشرق الأوسط – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة