دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – انقشع الغبار واتضح المشهد .. لا مكان للصغار في سوريا

من النادر أن يأتي أحد اليوم على ذكر إيران في سوريا، أما تركيا، فهي إن ذكرت، تذكر لعرض خيباتها. في كلا البلدين، تورط النظام في لعبة أكبر من حجمه واستفاق بعد فوات الوقت.
في السياسة، كما في الطبيعة، البقاء للأفضل والأقوى، وإيران وتركيا لا ذكر لهما في قائمة الأفضل ولا في قائمة الأقوى.
التضحيات السورية على مدى تسع سنوات لا تعني بالنسبة لطهران شيئا أمام بطولات القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي “ناضل لوحده في الأزمة السورية، واستطاع إنقاذها”.
أهان المسؤول الإيراني حسن بلارك، الرئيس السابق للجنة إعادة إعمار المراقد المقدسة التابعة للحرس الثوري، سوريا والسوريين، خاصة الآلاف من الضحايا والملايين من اللاجئين الذين دفعوا حياتهم وخسروا أموالهم ثمنا لمؤامرة كانت طهران طرفا فيها.
التفسير الوحيد للكلام الذي جاء على لسان بلارك، الذي طال أيضا الرئيس السوري بشار الأسد، هو أن أيام إيران في سوريا أصبحت معدودة، وأن السوريين سيطلبون منها، عاجلا أو آجلا، أن تحزم حقائبها وترحل، وأن آيات الله أدركوا ذلك أخيرا.
وعلى إيران ألا تنتظر من السوريين أن يعبّروا عن امتنانهم لها، لسبب بسيط، أنهم باتوا يدركون اليوم أن طهران شريك افتعل الحرائق ثم عرض خدماته في ما بعد لإطفائها. عجزت إيران عن إطفاء الحرائق، فالكبار فقط هم من يستطيعون إطفاء الحرائق بعد إشعالها، وإطفاء حرائق دمشق بات اليوم بيد الولايات المتحدة وروسيا، أما إيران فهي مجرد لاعب صغير، لا يمتلك من مقومات القوة سوى الوهم، ما تبقى من إيران في سوريا سيسقط في الوقت المناسب.
وفي تركيا زاد الازدهار الذي حققته البلاد خلال العشرين عاما الأخيرة، من جنون العظمة لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فظن أنه صانع الرخاء، وتخيل أنه قادر على فرض أحكامه.
نسي أردوغان أن الازدهار الذي شهدته بلاده، ما كان ليحدث لولا تصاعد الأزمات في الدول العربية، خصوصا العراق. الأمر الذي دفع إلى تدفق السياح في اتجاه تركيا ومنتجعاتها، وكذلك تدفق الاستثمارات، خاصة في قطاع العقارات، إضافة إلى نمو التبادل التجاري الذي مالت كفته لصالح تركيا.
أردوغان الذي يراهن في مغامرته السورية الليبية على أمرين، الأول ضعف الموقف الأوروبي، والثاني مساندة الناتو له، سارع للتلويح بورقة المهاجرين في وجه الاتحاد الأوروبي في محاولة لانتزاع موقف داعم له بمواجهة حليفة دمشق القوية روسيا، معيدا إلى الأذهان مرحلة أزمة الهجرة الخطيرة عام 2015.
احتشد الآلاف من المهاجرين من بينهم أفغان وسوريون وعراقيون على الحدود التركية مع اليونان، بعد إعلان أردوغان أنه لن يمنعهم من التوجه إلى الاتحاد الأوروبي، مهددا بأن عدد اللاجئين الذين سيدفع بهم إلى الحدود سيصل قريبا إلى الملايين.
رهان أردوغان خاسر في الحالتين، وبدلا من إبداء الخوف رفضت دول أوروبا تقديم التنازلات للمتنمّر الذي هدّد القادة الأوروبيين بإغراقهم باللاجئين. وحذر محققون في الأمم المتحدة من أن أنقرة قد تتهم بجرائم حرب ارتكبت ضد الأكراد في شمال سوريا خلال عام 2019. ورغم الأهمية التي تلعبها تركيا بالنسبة لحلف الناتو، يستبعد المحللون أن يغامر الحلف بتقديم المساعدة للجيش التركي في مغامرته بإدلب، لأنها مغامرة ليست مع الجيش السوري فقط، بل مع روسيا، التي قال رئيسها فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة إنه لن يتخلى عن سوريا.
الاجتماع الطارئ الذي عقده ممثلون عن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الجمعة، بطلب من تركيا، هو مجرد إجراء يراد منه رفع العتب؛ عُقدَ الاجتماع بموجب البند الرابع للاتفاقية المؤسسة للحلف، وينص البند على أن أي دولة “تعتبر أن هناك تهديدا على سلامة أراضيها واستقلالها السياسي أو أمنها”، يمكنها تفعيله. لكن دول الأطلسي لم تعلن عن أي إجراء ملموس، واكتفت بإعلان تضامنها مع أنقرة.
فرصة تركيا في التقرب مجددا من الناتو ضئيلة، وكذلك إمكانية حصولها على دعم عسكري منه، خصوصا بعدما أثارت استياء حلفائها بتقاربها مع موسكو، وحيازتها على منظومة الدفاع الجوي الروسية أس – 400.
خيارات أردوغان محدودة، ويصعب عليه قلب ميزان القوى الذي باتت كفته تميل للنظام السوري المدعوم من روسيا، وسيجد نفسه أمام خسارة كبرى، إن دخل في مواجهة طويلة الأمد، فهو لا يملك الوسائل العسكرية ولا الموارد البشرية الكافية لمواصلة التصعيد. إلى جانب ذلك، عليه أن يفكر جديا بالرأي العام التركي الذي سينقلب عليه مع ارتفاع عدد القتلى العسكريين الأتراك.
الخيارات التي يواجهها أردوغان اليوم محدودة وشديدة الصعوبة، وتتضمن مخاطر هائلة، فهو لا يستطيع إلا الرد على الهجمات المباشرة للجيش السوري، وعليه في الوقت نفسه أن يتفادى المضي بعيدا في التصعيد. في النهاية سيجد نفسه مرغما على قبول ترتيبات يتفق عليها مع روسيا، تتيح له السيطرة على “منطقة صغيرة على طول الحدود التركية تتكدس فيها القوات التركية ونحو مليون نازح سوري”.
لم يستطع الرئيس التركي أن يقنع مواطنيه بأن دوافعه لخوض المواجهات إنسانية، وأن حربه التي رفع لها شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” هي حرب مقدسة. من سوء حظ أردوغان أن الأتراك يعرفون أن الشعار مجرد وهم، وأن رئيسهم دخل الحرب ليس باحثا عن السلم، بل دخلها باحثا عن أعداء.

علي قاسم – كاتب سوري – صحيفة العرب
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة