دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – المقداد لن يعيد ما مسحه المعلم عن الخارطة

لماذا على أوروبا أن ترحب بالنظام السوري الذي لم يتعلم من الأزمة شيئاً؟ الأوروبيون يطالبون بتغييرات في النظام وليس تغيير النظام ومع ذلك لا يبدو أن النظام مستعد لأدنى تغيير.

الرسائل واللوبيات لن تحل أزمة تجاوزها العمل الدبلوماسي بصيغته التقليدية

اعتادت الحكومات السورية أن تطرق الباب الأوروبي لترتيب علاقاتها مع الدول الغربية، فلطالما كانت أوروبا بوابة تواصل حتى مع الولايات المتحدة بالنسبة إلى دمشق.

وفي سنوات الحرب على العراق ساعد الأوروبيون النظام السوري على تمرير رسائل لواشنطن وبالعكس في محاولة لصياغة تفاهمات لمستقبل المنطقة ما بعد احتلال العراق، والحيلولة دون تكرار ذلك في سوريا.

النظام السوري يرى أن الأوروبيين هم الأقرب جغرافياً من المنطقة وأكثر المستفيدين أو المتضررين من الوضع القائم، لذلك حرص دائما على وجود تمثيل دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى شبْك علاقات مع أحزاب أوروبية عديدة تصب في خانة أقصى اليسار أو أقصى اليمين.

وخلال عقد من سنوات الحرب انقطعت العلاقات الرسمية مع الاتحاد الأوروبي وبقيت العلاقات الحزبية التي تبنت مواقف داعمة للنظام السوري حتى في مراحل بشعة من الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.

الكثير من هذه الأحزاب لها أعضاء في البرلمان الأوروبي عملوا على دعم النظام السوري سواء في العلن أو عبر تواصلهم السري. وبعضهم ذهب لزيارة دمشق خلال الحرب.

كما استفاد النظام من لوبي إيران في أوروبا لإرسال رسائل ومحاولات لكسر الجمود ورفع العقوبات حتى في فترات كان وزير الخارجية السابق وليد المعلم ينادي بمسح أوروبا عن الخارطة في تصريحاته العلنية.

هذه الازدواجية في الخطاب والممارسة أسلوب تقليدي عند النظام السوري، ولكن ما لم تتعلمه حكومة النظام أن الرسائل واللوبيات لن تحل أزمة تجاوزها العمل الدبلوماسي بصيغته التقليدية.

عاد النظام من جديد إلى أسلوب قديم غير صالح لمرحلة جديدة، فأرسل وزير خارجيته فيصل المقداد رسائل غير علنية عن استعداد دمشق للتعاون والحوار لعودة العلاقات ورفع العقوبات أملا في تكرار الماضي من جديد والتواصل مع واشنطن عبر بروكسل.

النظام السوري يعتقد أنه إذا قدم مغريات للأوروبيين على شكل استعادة اللاجئين السوريين، وتسليمهم ملفات بعض الجهاديين والإرهابيين، سيشكل خرقاً في الدبلوماسية ويفتح أبواباً كانت مستعصية على مدى عقد من الزمن، آخذاً في الاعتبار أن الحرب شبه منتهية مما يعني أن الأصوات المنتقدة ستكون صامتة اليوم.

ما زال النظام يفكر بعقلية ما قبل الحرب ويعتقد أن شيئا لم يحدث وأنه بمجرد رسالة منه سيمحو تاريخا أسود ليستجدي الجميع وده. هذه هي العقلية التي سببت الأزمة ويبدو أن الإصرار عليها سيعيق أي انفراجة.

صحيح أنه بقي القليل من العلاقات بين النظام وبعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا وإيطاليا والنمسا، هذه الدول التي حافظت على تواصلها مع دمشق على استحياء ليست دولاً محورية في الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن محاولة دمشق لتحريك الملف الأوروبي والغربي بشكل عام لن تسير سفنها كما تشتهي.

فالدول الأوروبية الفاعلة في السياسة الخارجية وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا (رغم خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي) غير مستعدة لأخذ مواقف جديدة تجاه الملف السوري دون الولايات المتحدة، فهذه الدول قاطعت النظام السوري في نفس اليوم ولن تعود إلا معاً.

كما أن المغريات التي قدمها النظام السوري للأوروبيين لا تبدو مغرية حقا، فعملية ضبط وصول المزيد من اللاجئين ليست بيد سوريا اليوم، بل هي بيد تركيا التي تبتز الأوروبيين بها دائما، فالطريق إلى أوروبا يمر عبر شواطئ الأتراك.

أما إعادة اللاجئين السوريين فلا يبدو أن أغلب الدول الأوروبية التي تتحدث صباحاً ومساء عن استيائها من اللاجئين تريد إعادتهم بشكل عملي، كون أكبر المستضيفين لهم هي ألمانيا. هذا البلد يبحث عن اليد العاملة منذ سنوات لتشغيل معامله، فوجد في اللاجئين السوريين فرصة أكثر من كونهم عبئاً، حيث يقوم الآن بالاستفادة منهم وإيجاد فرص عمل لهم. فهو ليس في وارد التخلص منهم.

بينما هناك بعض الدول الصغيرة قد تحاول إعادة اللاجئين إما لاعتبارات حزبية انتخابية أو نتيجة الوضع الاقتصادي. ومع ذلك لا يبدو أن التلويح بورقة اللاجئين سيعطي نتيجة.

أكثر ما يمكن أن تحققه رسالة المقداد أنها قدمت وثيقة يمكن لبعض الأحزاب الأوروبية أن تستخدمها وتدعم مواقفها المطالبة بعودة العلاقات من باب إمكانية عودة اللاجئين، فهذه الأحزاب لها مواقف ضد توافد اللاجئين وضرورة إغلاق الحدود.

الرؤية من بروكسل تجاه دمشق مختلفة تماما عما كانت قبل عقد من الزمن، فالاتحاد الأوروبي لا يرى في النظام مصدر استقرار ولا يرى فيه اللاعب الذي يمكن التعويل عليه بصيغته الحالية.

الموقف الأوروبي من النظام السوري ليس بالضرورة مرتبطا بالقيم الأوروبية، ولكن يركز على نقطة أن حكومة النظام السوري لا تسيطر على كل البلاد، وإن فعلت لن تستطيع تحقيق الاستقرار على المدى المنظور.

فلماذا على أوروبا أن ترحب بالنظام السوري الذي لم يتعلم من الأزمة شيئاً يذكر؟ الأوروبيون يطالبون بتغييرات في النظام وليس تغيير النظام ومع ذلك لا يبدو أن النظام مستعد لأدنى تغيير.

النظام لديه قناعة بأن أقل تغيير هيكلي للسلطة والحكم سيعني مسلسل طويل للتفكك والزوال.

الأوروبيون يريدون نظام حكم يرضي الجميع ليس من منطلق أخلاقي وقيمي فحسب، بل من رغبة بعدم دفع ثمن للأزمة مرة ثانية. يريدون نظام حكم قادرا على إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الداخلي لينعكس على الخارج ومحيطه.

الأوروبيون لا يعتقدون أن من ساهم بالتدمير يمكنه الإعمار، ومن خلق الأزمة يمكنه تحقيق الاستقرار.

يبدو أن مطالب النظام السوري تصطدم بالشروط الأوروبية، ومطالب الأوروبيين تصطدم باستحالة تقبل النظام للتغيير.

لو استطاع المعلم مسح أوروبا عن الخارطة، ستعيد رسالة المقداد العلاقات الأوروبية مع النظام السوري.

 

غسان إبراهيم – إعلامي سوري – العرب اللندنية

المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة