كيف التعاطي مع لبّ المشكلة؟ ذلك هو السؤال الكبير المرتبط بالدور الذي لعبه النظام السوري وما زال يلعبه في لبنان منذ ما قبل احتكار حافظ الأسد للسلطة في 16 نوفمبر 1970.
تبدو مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان مشكلة مستعصية
لا يستطيع لبنان تحمل كلّ هذا الوجود السوري الناجم عن تهجير النظام لمواطنيه السنّة من أرضهم. من حق اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم، إبداء قلق شديد من الوجود السوري في لبنان، وهو وجود مختلف عن الوجود العسكري والأمني الذي اتخذ شكل الوصاية. كان ذلك قبل 26 نيسان – أبريل من العام 2005. يومذاك، خرج الجيش السوري من لبنان في ضوء اغتيال رفيق الحريري.
تكمن مشكلة الوجود السوري الجديد في أن نحو مليون مواطن سوري يقيمون حاليا في لبنان كلاجئين مسجلين (الرقم الدقيق لدى الأمم المتحدة هو 805326 سوريا). يحصل هؤلاء على دعم من المنظمة الدوليّة، عبر منظماتها المختصة، ومن جمعيات غير حكوميّة من مختلف أنحاء العالم. مثل هذا الوضع مستمرّ منذ ما يزيد على عشرة أعوام، أي منذ باشر النظام السوري، بدعم من الميليشيات الموالية لإيران، عملية تهجير ممنهجة لسوريين في اتجاهات مختلفة. كانت واضحة نيّة النظام الأقلّوي في سوريا تهجير أكبر عدد من السوريين السنّة من البلد بغية تغيير طبيعة تركيبته.
بالنسبة إلى لبنان، تحديدا، جرى تهجير معظم السوريين السنّة المقيمين في المناطق الحدودية إلى الداخل اللبناني. ما حدث، وما لا يزال يحدث، أنّ النظام نفسه اتبع سياسة تهجير السوريين إلى لبنان والأردن وتركيا وإلى مناطق في الشمال السوري وذلك من أجل وصول بشار الأسد إلى الحديث يوما عن “بيئة سورية متجانسة”.
◙ تبدو مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان مشكلة مستعصية. لا تعالج هذه المشكلة من دون التطرق إلى موقف النظام، الذي يدّعي استعادة المبادرة عسكريا وسياسيا، من عودة السوري السنّي
تحدّث بشّار بكلام واضح عن تقليص عدد السنّة في سوريا كي يكون هناك توازن في العدد بين هؤلاء من جهة وبين العلويين من جهة أخرى. هذه ليست سياسة النظام وحده، بل هي سياسة إيرانيّة أيضا تترافق مع وضع مؤسسات وشركات تابعة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” يدها على مناطق وأحياء سوريّة في دمشق نفسها ومحيطها.
يُفترض في اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم، النظر إلى ما هو أبعد من أنفهم بعيدا عن الشعارات الشعبوية وعن الاتهامات الموجهة إلى منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التي تقدّم مساعدات، بعضها بالدولار الأميركي، للاجئين السوريين في لبنان. مشكلة لبنان واللبنانيين أن النظام السوري يرفض عودة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي هجروا منها. مشكلة لبنان واللبنانيين أيضا في وجود طرف لبناني تدخّل عسكريا في سوريا لمصلحة النظام ولعب دورا في تهجير سوريين من سوريا.
توجد مشكلة ضخمة وخطيرة في حاجة إلى حل في لبنان. لكنّ هذا الحلّ لا يكون عبر الخطابات والشعارات العنصريّة والشكوى من المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة للاجئين السوريين الذين يرتكبون في أحيان كثيرة جرائم وسرقات. الحلّ بالذهاب إلى لبّ المشكلة أي إلى الحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه منذ اثني عشر عاما. كيف التعاطي مع لبّ المشكلة؟ ذلك هو السؤال الكبير المرتبط بالدور الذي لعبه النظام السوري وما زال يلعبه، في تعاطيه مع لبنان، منذ ما قبل احتكار حافظ الأسد للسلطة في 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970. مهّد الأسد الأب لتولي السلطة عندما كان وزيرا للدفاع في حرب 1967 التي أسفرت، بين ما أسفرت عنه احتلال إسرائيل للجولان.
في المرحلة الممتدة من 1968، حتّى 1970، أغرق النظام السوري لبنان بالمقاتلين الفلسطينيين. أبلغني الراحل الشريف زيد بن شاكر، الذي أصبح في ما بعد أميرا، أنّه في فترة أحداث أيلول – سبتمبر 1970 في الأردن وما تلاها، لم يكن مسموحا للمقاتل الفلسطيني المكوث، ولو لليلة واحدة، في الأراضي السوريّة بعد طرده من الأراضي الأردنية. كان زيد بن شاكر أحد كبار قادة الجيش العربي (الجيش الأردني) الذين لعبوا دورا في إنهاء الوجود الفلسطيني المسلّح في الأردن في تلك المرحلة. أوضح لي “أبو شاكر” في لقاء سألته فيه عن تلك المرحلة التي يسمّيها الجانب الفلسطيني “أيلول الأسود” أنّ شاحنات سورية كانت تلتقط المقاتلين الفلسطينيين الهاربين من الأردن وتأخذهم مباشرة إلى الحدود السوريّة مع لبنان كي يتسللوا إليه.
◙ مشكلة الوجود السوري الجديد تكمن في أن نحو مليون مواطن سوري يقيمون حاليا في لبنان كلاجئين مسجلين (الرقم الدقيق لدى الأمم المتحدة هو 805326 سوريا)
الأكيد أن تصرفات الفلسطينيين وتجاوزاتهم وجرائمهم لم تكن مقبولة يوما في لبنان، لكنّ الأكيد أيضا غياب القيادة السياسيّة اللبنانيّة القادرة على التعاطي مع موضوع شائك من نوع الوجود المسلّح الفلسطيني ثم إغراق البلد بالسلاح. غابت القيادة السياسية اللبنانيّة في مرحلة ما بعد العام 1975 خصوصا. لم يعد النظام السوري، بعد أحداث 13 نيسان – أبريل من تلك السنة، يكتفي بإرسال سلاح إلى الفلسطينيين، بل كان يرسل سلاحا إلى ميليشيات مسيحيّة تصدت لهم. كان يفعل ذلك من أجل تفجير الوضع الداخلي وتبرير الحاجة إلى دخول الجيش السوري إلى لبنان لاحقا بحجة “السيطرة على الفلسطينيين المسلّحين”. هذا ما حدث بالفعل بقرار أميركي وضوء أخضر إسرائيلي في البداية.
مرّة أخرى، تغيب القيادة السياسية عن لبنان. بعد مرحلة انتخاب سليمان فرنجيّة (الجدّ) رئيسا للجمهورية في آب – أغسطس 1970، لم يعد في لبنان عقل سياسي يستوعب ما يدور في المنطقة ومعنى التحولات التي تشهدها في إحدى أخطر السنين التي مرّ فيها الشرق الأوسط.
في السنة 2023، لا وجود لرئيس للجمهوريّة. زاد الفراغ في لبنان الذي فقد كلّ مقومات وجوده بما في ذلك نظامه المصرفي، فراغا. لا يعبّر عن الحال المزرية التي وصل إليها البلد أكثر من سابقة انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهوريّة بصفة كونه مرشّح “حزب الله”… وهو الحزب الذي يقاتل في سوريا.
تبدو مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان مشكلة مستعصية. لا تعالج هذه المشكلة من دون التطرق إلى موقف النظام، الذي يدّعي استعادة المبادرة عسكريا وسياسيا، من عودة السوري السنّي إلى الأرض التي أجبر على مغادرتها بالطريقة نفسها التي أجبر فيها الفلسطيني على النزوح عن أرضه أثناء نكبة العام 1948؟
خيرالله خيرالله – إعلامي لبناني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة