كلُّ المعلومات المتداولة المؤكّدة تتحدّث عنْ أنّ سوريا أصبحت معسكراً كبيراً للتنظيمات الإرهابية المتعدّدة المنابتِ والأصول، كما يقال، وهذا بالإضافة إلى جيوشٍ ووحداتٍ عسكرية رسمية تابعة لبعض الدول المجاورة كتركيا وإسرائيل وبعض الدول البعيدة كروسيا وإيران. وحقيقةً، إنّ الحابل قد اختلط بالنابل في هذا المجال بعدما أصبح هذا البلد العربي بلا حدودٍ تسيطر عليها أجهزته الأمنية ووحدات جيشه الرسمي، ما جعل الجيش التركي يتوغّل في حدوده الشمالية لمسافات بعيدة وجعل الجيش الإسرائيلي، الذي بقي يحتلُّ هضبة الجولان منذ عام 1967، يضربُ حيث يشاء ومتى يريد في أي مكانٍ من دير الزور (البوكمال) في أقصى الشرق حتى القنيطرة في الغرب.
وإنّ ما تجدر الإشارة إليه هو أنّ نظام بشار الأسد، الذي وصل نفوذه بعد نفوذ والده إلى معظم المناطق اللبنانية من طرابلس في الشمال حتى صيدا في الجنوب وبالطبع مروراً بضاحية بيروت الجنوبية، ليست له السيطرة الكاملة على أقربِ مدينتين سوريتين من العاصمة دمشق، هما مدينة درعا التاريخية ومدينة السويداء التي تقطنها وتقطنُ قراها الأقليّة الدرزيّة التي أنجبتْ عدداً من القادة الطلائعيين من بينهم سلطان باشا الأطرش، وهذا تطلّبَ أنْ يتم إنشاء قاعدة إيرانية وأيضاً لـ«حزب الله» اللبناني قبالة الحدود الأردنية الشمالية وعلى مقربة من هضبة الجولان السورية المحتلة.
والمقصود بهذا هو أنّ نظام بشار الأسد، الذي يملأ دمشق – ليس كلّها بالطبع – صراخاً ثورياً، لا سيطرة كاملة له حتى على هاتين المدينتين السوريتين آنفتَي الذكر؛ أي درعا، واسمها التاريخي ذرعات، والسويداء، مما جعل الإيرانيين يُقيمون قاعدة عسكرية لهم في هذه المنطقة، ويقال إن «حزب الله» الذي دأبَ على اغتيال الوطنيين اللبنانيين وبخاصة الشيعة منهم وآخرهم المثقّف الكبير لقمان سليم، قد أقام هو أيضاً قاعدة له في هذه المنطقة بأمرٍ من «الحرس الثوري» الإيراني التابع مباشرةً للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.
وهذا يؤكّد أنّ بشار الأسد، رغم إرغائه وإزباده، غيرُ قادرٍ على حماية نفسه، وأنه لولا الحماية الخارجية «المستوْردة» وأهمها بالطبع حماية الإيرانيين مع مساندة روسيّة، لكان الآن إمّا تحت الثرى من دون مقبرة محددة ولا قبرٍ معروفٍ وإمّا في إحدى العواصم البعيدة التي منْ الممكن أنْ تقبلَ به وبعائلته وبعضِ المقربين إليه. وهنا كان قد تردّد ولا يزال يتردّد اسم موسكو، العاصمة الروسية، التي يقال إن أموالَ الرئيس السوري قد سبقته إليها منذ فترة قد أصبحت بعيدة.
ثُمَّ حسبما يقال ويتردّد إنّ الإيرانيين والروس يتبادلون الأدوار بالنسبة لبشار ونظامه ولكن من دون لا تفاهمٍ ولا تراضٍ، فإيرانُ التي لها الثِّقلُ الرئيسي في هذا البلد العربي، القُطر العربي السوري حسب المصطلحات «البعثيّة»، تتولّى الأمن وكلَّ ما يتعلّقُ بالشؤون وبالأمور العسكرية، ومعها بالطبع قوات حسن نصر الله، وروسيا لها القضايا السياسية، ولذلك فإنّ موفديها الدائمين الموجودين في دمشق يتولّون «فبركة» شؤون «الانتخابات» الرئاسية على اعتبار أنهم باتوا خبراء في هذه المسائل إنْ في فترة الاتحاد السوفياتي وإنْ بعد ذلك، أيْ في هذا العهد الذي يبدو أنه سيكون بلا نهاية، عهد فلاديمير بوتين الذي كان قد بدأ في عام 2012 والذي يصفه الروس بأنه قريبُ الشبه بعهد جوزيف ستالين!
وهنا فإنّ المعروف أنه قد مضى على هذا «العهد الأسدي» خمسون عاماً، أي عهد حافظ الأسد الذي كان قد تواصل لثلاثين سنة، وعهد ابنه بشار الذاهب لانتخاباتٍ جديدة باتت قريبة بعد أكثر منْ عشرين عاماً، مما يعني أنّ هتافات الانتخابات الرئاسية الأسديّة: «إلى الأبد يا أسد» كانت ولا تزال تُعبّر عنْ واقعٍ حقيقي، إذْ إنّ حافظ «الحفيد» يجري إعداده ليكون خلفاً لوالده وكما كان والده خلفاً لجدّه!
والواضحُ أنّ كثيرين ربما لا يعرفون أنّ الاحتفاظ بـ«حزب البعث» أو بمجرّدِ اسمه في حقيقة الأمر كان من أجلِ إظهار أنّ هذا النظام الذي كان قد تواصل مع الأب والابن لخمسين عاماً سيتواصلُ مع الابن ومع «الحفيد» مجدداً هو نظامٌ حزبي وليس عائلياً. وحقيقةً، إنّ الأمور ستبقى تسير في هذا الاتجاه إذا لم تكنْ هناك مفاجأة يتوقَّعُها البعض ولكن من دون أي معطياتٍ واضحة ومن دون أي تأكيد.
ولذلك وما دامت هذه الانتخابات، التي توصف بأنها رئاسيّة وذلك مع أنّ بشار الأسد كان قد انتُخب رئيساً بعد وفاة والده مباشرةً وعلى أساس «إلى الأبد يا أسد»، سوف تجري كما خطّط الخبراء الروس وكما حدّدوا موعدها وكما أكّد وزير الخارجية فيصل المقداد، بين 16 أبريل (نيسان) و16 مايو (أيار) المقبلين، فإنَّ المشكلة هي: أينَ من الممكن أنْ يجري يا ترى هذا «العرس الوطني» كما يصفه أصحابه وبعض أصحابهم ما دامت سوريا في معظمها محتلّة من كل هذه التنظيمات الإرهابية، وأيضاً من تركيا رجب طيب إردوغان، وبالطبع من بعض القوات الأميركية، ومن «حزب العمال الكردستاني – التركي» الذي لا يزال مؤسّسه عبد الله أوجلان معتقلاً في أحد السجون التركية منذ عام 1999 حتى الآن.
إنّ ما يدعو إلى الكثير من التساؤلات هو أنّ بشار الأسد نفسه وربما من دون استشارة الخبراء الروس ولا استشارة قادة «حزب البعث» الذين عملياً لا وجود لهم، قد قرّر رفع «يافطة» ترويجية فوق دمشق بطولِ «كيلومترين اثنين» وبعرضٍ غيرٍ معروف. والسؤال هنا هو: كمْ عدد أفراد القوات الخاصة يا ترى الذين سيتولّون حماية هذه «اليافطة» من المعارضين الذين يرفضون هذه الانتخابات ولا يريدون أنْ يبقى بشار الأسد رئيساً بعدما انحصرت الرئاسة السورية بوالده وبه لنصفِ قرنٍ من الأعوام، إلى الأبد ومن دون نهاية، إذا جرت الأمور وفقاً لما قرّره الخبراء الروس الذين أرسلهم الرئيس الروسي للإشراف على هذه الانتخابات… وكما أشرفوا على الانتخابات التي جاءت به رئيساً لروسيا…
ويبقى في النهاية أنّه لا بُدَّ من استغراب أسبابِ دفعِ عشرة مرشحين لهذه الانتخابات الرئاسيّة التي من المعروف أنها أصبحت محسومة قبل عشرين عاماً، لا بلْ قبل نصف قرن، وهنا فإنّني أرجو ألاّ يتمَّ «توريط» المبدعِ الكبير حقاًّ جمال سليمان في هذه المهزلة السياسية كما جرى توريطهُ بترشيح نفسه «كمزحة» للانتخابات الرئاسية الماضية التي كانت نتائجها معروفة ومحسومة حتّى قبل وفاة حافظ الأسد… الذي كان عنوان مرحلته: «إلى الأبد يا أسد»!
والأخطر في هذا كله أنه إذا استمرت سوريا تسير في هذا الاتجاه فإنها ستتحوّل إلى دويلاتٍ مذهبية وطائفية تُسيِّرها وتسيطر عليها التنظيمات الإرهابية التي باتت، وفي مقدمتها «داعش»، تتغلْغلُ في هذه المنطقة، وحيث إن أي محاولة إنقاذٍ فعلية تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ وإلى دولة مقتدرة موحدة وإلى إسنادٍ فعلي من بعض الدول العربية ومن الدول المتاخمة للشرق الأوسط كله، فتركُ الأمور تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه يعني أنّ هذا الوباء سيصل إلى ليس بعض وإنما معظم الدول الأوروبية التي بات هذا الوباء المرعب يتفشّى فيها ويهدّدها بالانهيار، وهنا فإنه لا ضرورة إلى ذكر الأسماء لا بصراحة ولا بمجرد الإشارة.
وعليه؛ وفي النهاية فإنه علينا أنْ نضع دائرة حول الدول العربية المهدّدة بهذا الوباء المرعب؛ فهناك أربع دولٍ باتت معروفة في مقدمتها سوريا، وهناك دولتان إقليميتان هما وبكل صراحة تركيا وإيران باتتا مُصدّرتين للآفة التي سترتدُّ عليهما في النهاية… وهنا يجب أنْ نردّد: «اللهم اشهد… اللهم اشهد»!
صالح القلاب – كاتب ووزير سابق أردني – الشرق الأوسط
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة