هناك خيارات أخرى كالاستفادة من فئة من شباب إسرائيل الذين تأثروا كثيرا بالعولمة وآمنوا بفتح الحدود وحرية الحركة وهم يؤيدون التعايش السلمي العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كان خبر إبرام الإمارات العربية المتحدة اتفاقية سلام مع إسرائيل مادة دسمة لكل من ينتظر الفرصة للاصطياد في الماء العكر، وكأن الإمارات خرجت عن الصف العربي، هذا إذا افترضنا أن هناك صفا عربيا، والحال لا يخفى على أحد، فالمصائب تنزل تباعا على رؤوس العرب من المحيط إلى الخليج. وهذا ليس تبريرا للخطوة الإماراتية بقدر ما هو شرح لوضع واضح للجميع، أي أنه من نافلة القول.
فالحروب تشتد في كل بقاع العالم العربي والخلافات تفتك بعمودها الفقري وتشل حركتها، والجوع أكثر من الشبع والماء شحيح، والبيوت تهدم فوق رؤوس ساكنيها، والأعداء يحيطون بكل بلاد العرب من شتى الأديان والأعراق، فهذا يريد إقامة الخلافة وذاك يريد تدويل بلاد الحرمين وآخر ينفذ تفجيرات في بيروت فيطالب بعض اللبنانيين بعودة الانتداب الفرنسي، وآخر يريد أن يصادر ماء مصر لكي تموت عطشا، وإسرائيل تريد أن تضم الضفة الغربية وتتسلى بقصف غزة بين الفينة والأخرى، وآخر يريد أن يلتهم ليبيا لأنها من الإرث العثماني. ماذا بقي؟
إن الخطوة الإماراتية تأتي على هامش الأحداث في مقابل الخراب المنتشر في بلدان العرب، فلا يمسك أحد الجمل من أذنه، ولينظر الجميع إلى الصورة الشمولية وكيف تتالت الأحداث حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. فقد سمح بعض العرب لإيران وتركيا بالتغلغل إلى الداخل العربي وبدأت الدولتان بتجنيد ميليشيات هدفها تدمير البلاد العربية لكي تأتيا وتتسلما البلاد نظيفة ثم تعيدا بناءها حسب رغبتهما. فلا عجب إذن أن تلجأ كل دولة إلى السياسة التي تنقذها من هذا الجنون المنتشر في كل أرجاء البلاد العربية.
يجب أن نتذكر أن فرصة جو بايدن في الفوز بالرئاسة الأميركية جيدة، وهو الذي كان نائبا لأوباما وسوف ينتهج خطا تصالحيا مع إيران وتركيا، وهذا التحالف سوف يعطي دفعة قوية لإيران وتركيا، مما يعني زيادة في جرأتهما على الاستمرار في خططهما الرامية إلى تقطيع أوصال العالم العربي واستعماره، وسوف يطول الدمار البلاد التي لا تزال تتنفس، وعلى كل دولة أن تبحث عن مخرج لها من الكارثة المحتملة بأي وسيلة.
أما الفلسطينيون، فلو أن كل بلاد العرب طبعت مع إسرائيل علانية ما خسروا شيئا، وليس أمامهم سوى الاستفادة من وضع سيء، والبحث عن حل آخر غير إطلاق الصواريخ الورقية وتقديم الشهداء بالمجان، فالمقاومة الشعبية تكون من داخل مواقع العدو، كما حدث في فيتنام عندما كان الجندي الأميركي لا يعرف من أين أتته الطعنة، لأن المقاومة خفية ومتحركة ولا تجلس أمام العدو ليبطش بها دون رحمة أو شفقة.
وربما تكون هناك خيارات أخرى كالاستفادة من فئة من شباب إسرائيل الذين تأثروا كثيرا بالعولمة وآمنوا بفتح الحدود وحرية الحركة وهم يؤيدون التعايش السلمي العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا بأس بالتعرف عليهم من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي والوصول إليهم، وهناك أيضا اليسار الإسرائيلي الذي يتبنى نفس الموقف ويمكن التعاون معه، أو التفكير بأي وسيلة أخرى كاستغلال الصداقة الإماراتية الإسرائيلية الجديدة لتحصيل ما يمكن من حقوق الفلسطينيين أقلها أحواض الماء العذب التي استولت عليها إسرائيل وصارت تبيعها للفلسطينيين أو حرية التنقل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية للعمل أو التعليم أو حتى الزواج من إسرائيليات. لذا فمن غير الحكمة تخوين الإمارات وخسارتها إلى الأبد فقد يكون للفلسطينيين خير في هذه الخطوة والله أعلم.
سهى الجندي – كاتبة فلسطينية – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة