القصف الأخير الذي تعرض له مطار أربيل، بعد صواريخ فبراير الماضي، إعلان صارخ عن النهاية الأخيرة للشراكة التي جمعت بين أربيل وبغداد وطهران منذ 1991.
الطلاق بين أربيل وطهران أصبح بائنا
حين وضع قادة الأحزاب الكردية العراقية أيديهم بأيدي حلفائهم أصحاب التنظيمات والأحزاب الدينية الشيعية المملوكة من قبل النظام الإيراني، قبل الاحتلال الأميركي سنة 2003 وبعده، لم يدَعوا لدى المواطن العراقي أيَّ شك في متانة هذه اللُحمة ذات يوم، فتصبح الصواريخ الإيرانية المرتدية ثياباً عراقية هي لغةَ المخاطبة الوحيدة بين الحشد الشعبي وأربيل التي توهمت بأن اقتناء القواعد الأميركية والتركية العسكرية كفيل بحمايتها من غضب الحلفاء القدامى.
أما السليمانية، وهي الجناح الثاني لـ”دولة” كردستان، فلأن ولاءها الثابت لإيران لم يتغير منذ أيام “لجنة العمل المشترك” التي تأسست في عاصمة حافظ الأسد سنة 1990 فقد أصبحت دارَ أبي سفيان ومَن دخلها كان آمناً من الصواريخ والمفخخات الجهادية الإسلامية التي لا ترحم.
من قبل أن يتحقق الاستقلال الكردستاني عن الدولة العراقية بقوة العصا الأميركية الضاربة في 1991 أفردت الأحزاب الإسلامية للرئيسين مسعود البارزاني وجلال الطالباني، بوصاية من إيران أو بتطنيش منها، مكانةً أكبر بكثير جدا من أي سياسي آخر من الذين تطلبت الطبخة الأميركية – الإيرانية – السيستانية إلحاقَهم بمجلس الحكم، رفعاً للعتب، ولتزيين القاعة بهم، تعبيرا عن الوحدة الوطنية المؤقتة، إلى الحد الذي أصبح معه كلٌ منهما مستقلا في ولايته الكردية، ثم حاكما فاعلا ومؤثرا في العاصمة الاتحادية بغداد أيضا، وصاحب آخر كلام في القضايا الكبيرة التي تصنع مصير الدولة العراقية، بدءاً بحل الجيش وتشكيل الميليشيات وتفصيل الدستور وانتهاءً بتصميم علم الدولة واختيار نشيدها الوطني.
ولهما وزارات سيادية مهمة ومقاعد نيابية وسفارات ومراكز مهمة حساسة أخرى في المخابرات والدفاع والمالية والموارد المائية ووزارة النفط والدفاع والداخلية، وفي الإعلام وهيئة النزاهة والمفوضية العليا للانتخابات والقضاء.
فقد تنازل لهما حزب الدعوة ومجلس الحكيم ومقتدى وباقي أعضاء البيت الشيعي عن السليمانية وأربيل ودهوك ملكيةً خالصة لهما ولأولادهما من بعدهما، مقابل سكوتهما ومباركتهما لاستقلال البيت الشيعي وميليشياته بالباقي من الوطن دون حساب أو كتاب.
وعلى مدى السنين الماضية من الحكم الإيراني للعراق لم يغضب أحدٌ من حلفائهما الشيعة وهم يرون هذا في أربيل وذاك في السليمانية يؤسس دولته المستقلة، ويجيّش جيوشه الخاصة، ويسلحها بسلاح الدولة وأموالها، أو وهو يقضم القرى والمدن، واحدة بعد واحدة، ويطرد سكانها ويؤوي أعضاء حزبه مكانهم، ولا وهو يحتل آبار نفط كركوك ويطرد موظفيها العراقيين، ولا وهو يأمر بإنزال علم الدولة العراقية ويرفع علم دولة كردستان مكانه، ولا وهو يزور الدول العربية والأجنبية ويتحدث كرئيس لدولة مستقلة ذات سيادة.
إلى أن أخطأ مسعود البارزاني فتحدى حلفاءه بإجراء استفتاء كردستان في 25 سبتمبر 2017 معلناً صراحة أنه التمهيد الطبيعي للاستقلال الذي سيليه دون شك. فكان كمن يسب العنب الأسود، أو يدخل في عش الدبابير.
فهنا أدرك النظام الإيراني أن “جمهورية” أربيل تتمرد وتتحول رويدا رويدا إلى سكين في خاصرة حليفها الذي يريد الكعكعة العراقية كاملة غير منقوصة، ويعتبر كل من يمدُّ يده إلى جزءٍ منها، خصوصاً إذا كان أميركيا أو إسرائيليا أو تركيا، عدواً مبيناً حلالٌ قصفُه وقتلُ جنوده وضباطه، وسبيُ من آواه وسهل له الإقامة.
ثم كُلف الحشد الشعبي بأداء المهمة، بالصواريخ أولا، فإن لم يستطع فبالمفخخات، فإن لم يستطع فبقطعِ الرواتب والمخصصات، وذلك أضعف الإيمان.
يعني أن القصف الأخير الذي تعرض له مطار أربيل، بعد صواريخ فبراير الماضي، إعلان صارخ عن النهاية الأخيرة للشراكة التي جمعت بين أربيل وبغداد وطهران منذ 1991.
يقول رئيس حكومة كردستان مسرور البارزاني إن “الهجمات الأخيرة ما هي إلا محاولة سافرة لتقويض أمننا الداخلي، وتعاوننا مع التحالف الدولي”.
وأكد أن “أعضاء الجماعة الإرهابية المسؤولة عن هذا الهجوم سيحاسبون على أعمالهم”.
وفي 15 فبراير الماضي تعرض مطار أربيل لهجوم صاروخي آخر أخطر وأكبر كإنذار، إلا أن حكومة أربيل لم تفهم الرسالة، أو أنها استخفت بها وبمن أرسلها بكبرياء، وهي تعرف أن النظام الإيراني هو المتهم الأول والأخير بهذه الهجمات.
ومن مجمل التصريحات والبيانات الكردية والحكومية العراقية، وخاصة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، يتأكد لنا بوضوح كامل أن الطلاق هذه المرة بين أربيل وطهران وبينهما أحزاب البيت الشيعي وميليشياته قد أصبح بائنا ولا رجعة فيه.
هذه واحدة من نتائج القصف الإيراني لأربيل. أما الثانية فهي أن سماء أربيل تحولت نكاية بإيران واستهزاءً بصواريخ حشدها الشعبي إلى مسرح دائم لتحليقٍ المروحيات القتالية الأميركية والمقاتلات.
يعني أن لعبة شد الحبل بين الولايات المتحدة وإيران أصبحت علنية، ولكن حول مطار أربيل، وعلى حساب هيبة الدولة العراقية، وأمن أهلها أجمعين.
إبراهيم الزبيدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة