حتى اللحظة وبالرغم من كل المآسي التي عاشها أهل غزة لم تعترف حماس بشكل غير مباشر أنها أخطأت ومَن ينتظر ذلك الاعتراف لا بد أن يكون منفصلا عن الواقع الذي تعيشه المنطقة.
حرب تعلي من شأن إيران
لا أريد أن أدخل في متاهة التسميات حين يتعلق الأمر بما فعلته حركة حماس يوم السابع من أكتوبر الماضي. لقد كان المطلوب أن تُجن إسرائيل فجُنت. أما أن تكون حماس قد رسمت خطة لما ستفعله بعد الرد الإسرائيلي المتوقع فذلك أمر لا يمكن أن يؤكده أحد. الاستمرار في التصدي للعدوان هو أمر طبيعي لا مفر منه على أرض مسيجة جغرافيا وسياسيا من كل مكان. لكن ما لم تكن حماس تتوقعه أن يُجن العالم متأثرا بالجنون الإسرائيلي.
في كل الحروب السابقة كانت هناك مواقف أوروبية معتدلة. حتى الولايات المتحدة لم يكن موقفها متشددا إلى الدرجة التي تدفعها إلى استعمال الفيتو ضد الشعب الفلسطيني. شيء ما قد تغير في المعادلات كلها. لا لأن حماس قامت بهجومها من غير مشورة أو غطاء فلسطيني أو عربي فهي تعرف أنها لن تحصل عليه، ولا لأنها دفعت العالم الغربي وجزءا من العالم الآخر إلى التعاطف مع الضحايا المدنيين بالرغم من أن إسرائيل لم تتوقف عن قتل الفلسطينيين المدنيين، بل لأنها انساقت إلى برنامج ما يُسمى بـ“المقاومة الإسلامية” التي تقودها إيران من دون أن تكون متأكدة من أن حربها ستشعل النار في المنطقة حين تطبق الفصائل الأخرى للمقاومة من كل أرض تقيم عليها على إسرائيل. فتكون الحرب حربا إيرانية بالوكالة.
◙ من المؤكد أن حماس كانت قد خططت لتكون شبيهة بالجماعة الحوثية في اليمن من جهة مرجعيتها. وهو ما يعني أن إيران ستكون شريكة في الحل النهائي
لم تعترف حركة حماس بأنها خُذلت بل أنها فعلت العكس تماما وهي تفكر فيما تتوقعه من شماتة العرب وفلسطينيي السلطة الذين وجدوا أنفسهم وقد سُحب البساط من تحت أقدامهم عاجزين عن القيام بشيء، من شأن اعترافها بالخذلان أن يمكنها من إنقاذ ما يمكن إنقاذه تحت وطأة ضغط عالمي غير مسبوق، عبر عنه مجلس الأمن المتعثّر في الوصول إلى قرار يُلزم إسرائيل بالعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.
لقد طرحت حماس مشكلة جديدة لا صلة لها بالمشكلات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية. فالمنطلق الأساس بدأ من اعتبار غزة ليست جزءا من فلسطين وكل محاولة تنطلق منها للصدام بالعدو الإسرائيلي لا تهدف إلى استعادة الحق الفلسطيني. أما لماذا نقول ذلك؟ فذلك له صلة بالمشروع الإيراني الذي وضعت حماس بشرها في خدمته. وهو مشروع يهدف إلى بناء سد تحتمي وراءه الجمهورية الإسلامية ويضع مسافة بينها وبين العالم الذي لن تتوقف حربها معه إلا إذا انتهت بالنصر أو ظهور المهدي المنتظر. وبهذا تكون حماس قد فارقت قضية النضال الوطني الفلسطيني ودخلت بغزة في دائرة نضال آخر.
حتى اللحظة وبالرغم من كل المآسي التي عاشها أهل غزة لم تعترف حماس بشكل غير مباشر أنها أخطأت. ومَن ينتظر ذلك الاعتراف لا بد أن يكون منفصلا عن الواقع الذي تعيشه المنطقة. وهو واقع اشتبك العامل العالمي بعوامل إقليمية ومحلية عديدة فيه من أجل أن تتصدر إيران المشهد.
كان رفع الغطاء العربي عن غزة واحدا من أهم أهداف الغزوة التي قامت بها حماس التي لم يخف زعماؤها ميولهم الإيرانية بالرغم من أن إيران حاولت أن تدفع عنها شبهات المسؤولية عن الحرب. لم يكن الموقف الإيراني صادما لأتباع حماس ومناصريها الذين كانوا مستعدين لتوجيه شتى أنواع الشتائم إلى العرب الذين هم من وجهة نظرهم استسلموا للتطبيع ولم يقفوا مع الشعب الفلسطيني ضد الهمجية الإسرائيلية.
إيران التي لم تفعل شيئا في مواجهة العدوان حتى أنها أمرت حزب الله بضبط أعصابه والالتزام بقواعد الاشتباك المتفق عليها، لم تتعرض لأي نوع من اللوم، ولم تكن مضطرة للدفاع عن نفسها في مواجهة تهمة التخاذل التي لم توجه إليها. ومن اللافت أن المجتمع الدولي قد تناسى ذلك الأمر كما لو أنه يتواطأ مع سرقة إيران للقضية الفلسطينية.
من المؤكد أن حماس كانت قد خططت لتكون شبيهة بالجماعة الحوثية في اليمن من جهة مرجعيتها. وهو ما يعني أن إيران ستكون شريكة في الحل النهائي وهو ما يهبها المكانة المعتبرة في الشرق الأوسط على مستوى مصيره. لقد تغير كل شيء من حولنا. وحماس هي جزء من ذلك التغيّر الذي سيفجعنا بنتائجه التي ستمسح كل المشاعر العاطفية بالأرض. ذلك لأن كل صور المأساة التي يتعرض لها أهل غزة لا تعني شيئا بالنسبة إلى حماس وهي تُعلي من شأن إيران.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة