هل يمكن القول إن بلاد الياسمين في طريقها لاستعادة عافيتها ولو بأسلوب تدريجي؟
ما حدث لسوريا أكبر من شخص الرئيس وسياساته
عام 2003 غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق. قيل يومها إن سوريا كانت الهدف الثاني. لم يتحقق ذلك الهدف لأن الاحتلال لم يمر بسلام. كانت هناك مقاومة عراقية بالرغم من أن المرجعية الدينية كانت قد أفتت بعدم جواز التصدي للمحتل وفضلت التعاون معه.
في البدء مارس الأميركان أقسى وسائل البطش من أجل قمع روح المقاومة حتى أنهم أعلنوا الحرب مرتين في سنة واحدة على مدينة عراقية صغيرة علق أبناؤها ثلاثة من مقاولي شركة بلاك ووتر الأمنية على الجسر. قيل يومها إن سوريا كانت الممر الذي دخلت من خلاله التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة لتقاتل الأميركان، غير أن هناك من زعم أن الأميركان صنعوا من العراق مصيدة لجذب كل أعدائهم من أجل اختصار الوقت وتقليل الخسائر.
اتهمت سوريا رسميا من قبل حكومة نوري المالكي بخلخلة الوضع الأمني في العراق. كان ذلك مريحا للأميركان الذين وجدوا الحل في إشعال حرب أهلية، من أجل وضع العراقيين أمام الصورة الأسوأ لما ينتظرهم في حالة انضمام الجنوب (الشيعي) إلى الغرب (السني) في مقاومته.
◙ لم يعد مهما إن بقي الأسد حاكما في دمشق أم لم يبق. ذلك سؤال صبياني لا قيمة له. ما حدث لسوريا هو أكبر من مسألة شكل الحكم واسم وشخص الرئيس
لم تكن إيران بعيدة عن ذلك الحل. هناك حلقة مفقودة. فحين تقول الوثائق إن إيران كانت تستقبل زعماء التنظيمات الإرهابية (السنية) وفي مقدمتها تنظيم القاعدة قبل غزو العراق وبعده فهل ذلك يعني أن سوريا كانت ضليعة في مؤامرة، كان الهدف منها إزعاج الأميركان وإلهائهم ودفعهم إلى إلغاء الفقرة التي تتعلق بسوريا من مشروعهم.
بعد ثماني سنوات حين قرر الأميركان سحب معظم قواتهم من العراق اشتعلت سوريا. بدأ الأمر بحراك سياسي محدود، لم يتعامل معه النظام السوري بطريقة حكيمة ليتطور إلى صراع مسلح، لينتهي إلى حرب شاملة، كانت عبارة عن صراع أممي مقنع، بدأ بزحف تنظيمات إرهابية وشركات أمنية قادمة من تركيا ليأخذ في ما بعد طابعا عسكريا منظما وقفت وراءه دول إقليمية وعالمية بجيوشها.
كانت تركيا التي هي عضو في الناتو جاهزة للتدخل ومثلها إيران التي حضرت مباشرة أو عن طريق وكيلها في لبنان حزب الله. واكتملت خارطة التدخل العالمي حين تقاسمت الولايات المتحدة وروسيا سوريا كما لو أنهما تمهدان لحرب لن تقع بينهما.
منذ آذار – مارس 2011 وسوريا في حالة حرب. بعد ستة أشهر بدا واضحا أن المعارضة السياسية السورية لا تملك سوى أن تكون طرفا تابعا لقوى الصراع وبالأخص للدول التي كانت تمول الحرب. مع استمرار تدفق المقاتلين من تركيا شحبت المعارضة وبرزت على السطح التنظيمات الإرهابية التي لم تُهزم إلا بعد تدمير ثلاثة أرباع سوريا وتشريد أكثر من عشرة ملايين سوري. قبلها كانت الثورة السورية قد تم وأدها. فالصراع الأميركي – الروسي نسف كل مظهر وطني للحالة التي تعيشها سوريا. هل عبث السوريون بوطنهم؟ ذلك سؤال يُترك للتاريخ.
بعد أن استعادت الدولة السورية مقعدها في الجامعة العربية وحضر الرئيس السوري بشار الأسد قمة جدة وألقى خطابا فيها، هل يمكن القول إن بلاد الياسمين في طريقها لاستعادة عافيتها ولو بأسلوب تدريجي؟ ذلك ما لا يراهن عليه أحد. فسوريا التي دُمرت هي بلاد جُردت من هويتها. لم يعد مهما إن بقي الأسد حاكما في دمشق أم لم يبق. ذلك سؤال صبياني لا قيمة له.
ما حدث لسوريا هو أكبر من مسألة شكل الحكم واسم وشخص الرئيس وسياساته وآرائه. سوريا التي كانت الهدف الثاني بعد العراق تم نسفها بطريقة منظمة عبر أكثر من اثني عشر عاما، حمل كل يوم منها طعنة للوجود السوري الموحد.
◙ لقد جرى تقسيم سوريا، لكن ليس بالطريقة التقليدية القديمة. سوريا الآن مقسمة بين الجيوش والميليشيات والطوائف والقوميات والتنظيمات الإرهابية
لقد جرى تقسيم سوريا، لكن ليس بالطريقة التقليدية القديمة. سوريا الآن مقسمة بين الجيوش والميليشيات والطوائف والقوميات والتنظيمات الإرهابية. فمَن يسأل عن مصير إدلب عليه أن يذهب إلى أبي محمد الجولاني. وليست “قسد” سوى اختصار لقوات سوريا الديمقراطية التي يغلب عليها الطابع الكردي وهي تسيطر على الرقة والحسكة وغيرها من مناطق شرق سوريا.
إلى أين تذهبين يا سوريا؟
سؤال لم يجب عليه الرئيس السوري في خطابه بمؤتمر جدة. هل يملك الرجل جوابا وهو مثل الآخرين ينتظر ما سينتج عن الحرب في أوكرانيا؟ كان الانتقام من روسيا أعمى، بحيث دفع بسوريا إلى منطقة مظلمة. منطقة قد لا تخرج منها إلا بعد سنوات طويلة. سيكون من الصعب بعدها أن يتعرف السوري على بلاده.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة