دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – إقليم كردستان آخر قلاع المنطقة قبل سقوطها

جزء من العراق ظل عصيا على الرضوخ وحجر عثرة أمام المحور الشيعي هو إقليم كردستان الذي تعرض لأبشع أنواع القمع منذ عام 2014 عقوبة لتمرده وعدم رضوخه لسياساته.

نيجيرفان وراء مهمة مستحيلة
لم تكن الصدفة وحدها هي التي خدمت الأحزاب الشيعية وميليشياتها للقفز على السلطة في العراق، ولا القرار الطائش من رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن عام 2003 القاضي بغزو العراق وإسقاط نظامه ردا على قرار آخر اتخذه رئيس النظام صدام حسين بغزو الكويت عام 1991 في لحظة غباء.

فلا الإصرار العراقي على غزو الكويت واحتلالها كان عفويا صادرا من شخص هوائي متقلب المزاج، ولا القرار الأميركي كان عشوائيا يعتمد على معلومات استخباراتية خاطئة.. بل كان القرار “عمدا مع سبق الإصرار والترصد!”.

لم تكن العقول غائبة عن الوعي عند اتخاذ القرارات المصيرية في ظل وجود العشرات بل المئات من مراكز التخطيط والبحوث الإستراتيجية الدولية المنتشرة في أرجاء أميركا وأوروبا، ومهما قيل عن غباء صدام في قراره الأرعن باجتياح الكويت، فإنه لم يكن غبيا إلى درجة أن يجازف بنظامه والعراق من أجل نزوة عابرة أو قرار ارتجالي متسرع، بل كان يدرك تماما عواقب فعلته ولكنه مع ذلك غزا الكويت وضمها إلى جمهوريته، ورفض كل المحاولات الدولية والأممية لثنيه عن قراره وسحب قواته منها. أصر على موقفه المعاند بشكل يثير الشك والريبة، وكأن قوة قاهرة تجبره على الاستمرار في موقفه الجنوني إلى حين تحطيم آلته العسكرية وإنهاء دوره السياسي في العراق والمنطقة، تمهيدا للغزو الأميركي لبلاده ونسف نظامها السياسي وإعادة تشكيله من جديد ومن ثم تسليم الحكم للأحزاب الطائفية الموالية لإيران (محور الشرّ).

المحاولات الكردية المستمرة لوضع أمور العراق في نصابها الصحيح وفق الدستور والاتفاقات السياسية، تقابلها دائما محاولات من الطرف الشيعي المهيمن على مفاصل الدولة للتنصل من الاتفاقات والاستحقاقات الدستورية وفرض الإرادة بالقوة

أرى أن كل شيء جرى وفق اتفاق دولي وإقليمي مسبق وبتخطيط مدروس، فلا القرار العراقي بغزو الكويت اتخذ بغفلة من الزمن وخارج التخطيط والإرادة الدولية، ولا قرار بوش بغزو العراق جاء لوقف نشاط العراق النووي. هذه كلها أكاذيب إعلامية واستخباراتية لتضليل الرأي العام العالمي بما تريده وتسعى إليه القوى العظمى بقيادة الولايات المتحدة من أجل إحداث تغيير جيوسياسي شامل في المنطقة العربية، السنية تحديدا، طبقا لمشروعها الفوضوي “الخلاق”، على أن تكون لإيران ومحورها الشيعي اليد العليا في الهيمنة على المنطقة.

والنتيجة التي نراها الآن واضحة؛ العراق وسوريا واليمن ولبنان وقعت تحت النفوذ الإيراني المباشر وغير المباشر من خلال وكلائها المعتمدين. ولكن جزءا من هذا البلد ظل عصيا على الرضوخ، وحجر عثرة أمام مده في المنطقة، هو إقليم كردستان الذي تعرض لأبشع أنواع القمع السياسي والاقتصادي والعسكري منذ 2014 من قبل هذا المحور عقوبة لتمرده وعدم رضوخه لسياساته، ورغم هذه العقوبات القاسية ظل واقفا على قدميه يلعق جراحه أمام أنظار المجتمع الدولي والخليجي وتركيا، دون أن يحركوا ساكنا، مكتفين بدور المتفرج.

وقد حاول القادة الكرد رفع الحصار والعقوبات الانتقامية التي يتعرض لها الشعب الكردي من خلال تكثيف جهودهم الدبلوماسية والسياسية مع عواصم القرار العالمي. والزيارة التي قام بها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني المعروف بنشاطه الدبلوماسي المكثف على الصعيدين الدولي والإقليمي إلى طهران تعتبر أهم هذه الزيارات وأشدها تأثيرا على مستقبل إقليم كردستان، كون إيران تقف موقفا سلبيا للغاية من سياسات الإقليم وصل حدّ استهداف مدنه بالصواريخ وحث وكلائها وميليشياتها في بغداد على تشديد الحصار وتجويع أهله وضرب منشآته الاقتصادية.

وقد أحرز بارزاني في زيارته نجاحا في تذويب جبل الجليد بين إيران والإقليم، وفور عودته من إيران، توجه نحو بغداد ليواصل جهوده السلمية مع المسؤولين ووضع حد للأزمات القائمة.

الحقيقة أن المحاولات الكردية المستمرة لوضع أمور العراق في نصابها الصحيح وفق الدستور والاتفاقات السياسية، تقابلها دائما محاولات من الطرف الشيعي المهيمن على مفاصل الدولة للتنصل من الاتفاقات والاستحقاقات الدستورية وفرض الإرادة بالقوة القهرية والعمل وفق أجندات دينية وسياسية وافدة.

محمد واني – كاتب كردي عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة