تجاهل مطالب المحاكمات العادلة لن يعيق عملية الشفاء للمجتمعات المتضررة من داعش فحسب، بل سيحمل أيضا خطر زيادة زعزعة استقرار البلاد والإقليم برمته.
في انتظار حل مشكلة مخيم الهول
من الواضح أن الإدارة التي يقودها الأكراد في منطقة الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا لم تعد قادرة على الصبر، حيث أن المنطقة مترامية الأطراف، والتي تبلغ مساحتها تقريبا مساحة سلوفاكيا، هي موطن لـ10 آلاف من مقاتلي داعش المحتجزين، مما يجعلها أكبر تجمع للإرهابيين المسجونين في العالم، وذلك وفقا لوزارة الخارجية الأميركية.
وينحدر مقاتلو داعش من عشرات الدول – بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة – وقد ظلوا في زنزانات السجن لسنوات على الرغم من دعوات الإدارة، المعروفة رسميا باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
ولعب جيش الإدارة، وهي قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، دورا أساسيا في القتال ضد داعش.
وفي الشهر الماضي، كشفت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن خطتها لمحاكمة 2000 من مقاتلي داعش ذي الأصول الأجنبية، على أمل تخفيف الضغط والمهام المتراكمة المرتبطة بهم. وكان الدافع وراء ذلك القرار هو رفض المجتمع الدولي تحمل المسؤولية تجاههم.
على المجتمع الدولي ألا يقف مكتوف الأيدي وأن يأمل ببساطة أن تختفي المشكلة من تلقاء نفسها، فمن الأهمية بمكان إعطاء الأولوية لحقوق المحتجزين وضمان حصولهم على محاكمات عادلة في أقرب وقت ممكن
وجاءت أنباء تلك الخطوة بمثابة مفاجأة للدبلوماسيين، الذين لم يتم إبلاغهم مسبقا بمسار العمل الذي تعتزم السلطات اتخاذه.
وقد أثار الإعلان المفاجئ والتنفيذ السريع للخطة مخاوف – بما في ذلك الشكوك في أن السلطات المحلية ستكون قادرة على التعامل مع الإجراءات القانونية المعقدة – وعلاوة على ذلك، لا تزال تفاصيل التعاون الدولي غير معروفة، مما يجعل مصير المقاتلين الأجانب بالغ الغموض.
ويحتجز المقاتلون الأجانب في زنازين مؤقتة منذ عام 2019، إلى جانب أكثر من 10 آلاف امرأة وطفل أجنبي محتجزين حاليا في المخيمات.
ولم يقتصر الأمر على تحميل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا المهمة الضخمة المتمثلة في تأمين ذلك العدد الكبير من المحتجزين في أماكن غير ملائمة، بل واجهت الإدارة انتقادات لاحتجازها السجناء دون توجيه تهم إليهم.
ومما يزيد الأمور تعقيدا أن هناك أيضا مجموعة أكبر من جماعة داعش من سوريا والعراق محتجزين في تلك السجون المؤقتة أو المعسكرات، مما يشكل ضغطا إضافيا على موارد المنطقة المحدودة.
وقد دعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا باستمرار الدول، ولاسيما الدول الغربية، إلى إعادة مواطنيها إلى أوطانهم. ولكن كانت الولايات المتحدة مترددة، مشيرة إلى رد فعل سياسي محتمل. وهناك أيضا مخاوف من أن قوانين مكافحة الإرهاب الحالية قد لا تضمن عقوبات سجن طويلة بما فيه الكفاية، فضلا عن خطر التطرف داخل أنظمة السجون الخاصة بهم.
وكبديل لذلك، اقترحت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” إنشاء محكمة دولية لمحاكمة أعضاء تنظيم «الدولة الإسلامية». ومع ذلك، فقد تمت معارضة ذلك أيضا، حيث أعربت البلدان الأصلية للمقاتلين عن مخاوفها من أن المحكمة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة مواطنيها إلى بلدانهم.
وتم اتخذ القرار بالتصرف من جانب واحد، وذلك بعد قمة التحالف ضد داعش مباشرة، والتي عقدت في السعودية في 8 يونيو، وشددت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” في بيانها على أن إجراءات المحكمة ستكون مفتوحة لمنظمات حقوق الإنسان والصحافيين والجمهور.
وقالت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أيضا إن السجناء فقط – وليس عائلاتهم – هم من سيخضع للمحاكمة، وسيتم توفير محامين. وسيقضي المدانون أحكاما بالسجن في السجون المحلية، بينما سيطلق سراح من تثبت براءتهم.
وكانت الدوافع وراء البدء في تلك المحاكمات كثيرة، ويتمثل أحدها في ممارسة الضغط على المجتمع الدولي للتعامل مع المشكلة. حيث أدت الطريقة غير المتوقعة التي تم بها إيصال أخبار المحاكمات إلى تسليط الضوء على تلك القضية.
مما يزيد الأمور تعقيدا أن هناك مجموعة أكبر من جماعة داعش من سوريا والعراق محتجزين في تلك السجون المؤقتة أو المعسكرات، مما يشكل ضغطا إضافيا على موارد المنطقة المحدودة
وهدف الإعلان إلى حشد المزيد من الدعم من البلدان المعنية لمساعدة السلطات المحلية بشكل أفضل في إدارة عبء المقاتلين الأجانب وعائلاتهم، وانعكس ذلك الهدف بوضوح في بيان الإدارة، التي شددت على أهمية الحاجة إلى المشاركة والدعم الإيجابيين من المجتمع الدولي خلال المحاكمة.
وفي حين أن تلك الخطوة قادرة على توليد الزخم وتأمين المزيد من الدعم، فمن غير المرجح أن تؤيد الدول المعنية الخطة بسهولة. وتكمن إحدى العقبات في حقيقة أن المحاكمات تفتقر إلى أساس قانوني، لأن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” لا تحظى باعتراف دولي. كما أن النظام القانوني في شمال شرق سوريا غير مجهز بشكل كاف لضمان سريان الإجراءات القانونية اللازمة.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي إجراء محاكمات علنية إلى زيادة المخاطر الأمنية وخلق بيئة تمهد الطريق لهروب المساجين أو شن الهجمات على السجون. وإلى جانب ذلك، فإن المحاكمات نفسها لن تعالج المشكلة الأساسية، بسبب احتمال عدم تسليم المجرمين، حيث من المرجح ألا يتمكن المقاتلون الأجانب، سواء أدينوا أو تمت تبرئتهم، من العودة إلى بلدانهم الأصلية، ولهذا السبب قررت الولايات المتحدة أن الحل الوحيد هو عودة المساجين إلى دولهم.
وتوقعا لرد فعل سلبي محتمل، أعلنت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” أن المحاكمات ستبدأ قريبا، على الرغم من عدم توفر الدعم الدولي. ومع ذلك، فقد مرت عدة أسابيع بالفعل دون اتخاذ أيّ إجراءات ملموسة، مما يشير إلى أن المفاوضات جارية لإقناع “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بإعادة النظر في موقفها.
وبغض النظر عن نتيجة تلك المحادثات، يتحتم على المجتمع الدولي ألا يقف مكتوف الأيدي وأن يأمل ببساطة أن تختفي المشكلة من تلقاء نفسها، فمن الأهمية بمكان إعطاء الأولوية لحقوق المحتجزين وضمان حصولهم على محاكمات عادلة في أقرب وقت ممكن، ومن المهم بنفس القدر أن يشعر ضحايا داعش بتحقق العدالة.
إن تجاهل تلك المطالب لن يعيق عملية الشفاء للمجتمعات المتضررة من داعش فحسب، بل سيحمل أيضا خطر زيادة زعزعة استقرار البلاد والإقليم برمته.
حايد حايد – صحفي سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة