جماعة الإخوان ليست أكثر من مركوب يسهّل للنظام التركي تدخله ويؤمّن له تشكيل جماعات مرتزقة من السوريين الذين يعانون التشرد والعوز بعد أن نكّل بهم نظام بشار الأسد وحلفاؤه.
مضى أكثر من خمسين يوما على وجود المحلل العسكري والسياسي والمعارض الوطني السوري و”الطيب” حقا، العميد أحمد رحال في معتقلات الطيب زَيفا أردوغان. هذا الاعتقال الذي ينمّ عن غدر الرئيس التركي بكل من يرفض أن يتحول أداة بين يديه حتى على مستوى الكلمة.
لم يحرك الإخوان المسلمون السوريون المتواجدون في تركيا وفي مناطق الشمال السوري ساكنا حول الأمر، وكذلك من تبقّى من معارضين سوريين مقيمين في تركيا. وربما يكون الإخوان السوريون راضين عن اعتقال الرجل، أو هم من حرض على اعتقاله، رغم أنني أعتبر هذه الجماعة لم تعد أكثر من بيدق يحركه أردوغان وقت الحاجة.
صحيح أن جماعة الإخوان جماعة منظمة ولديها الأيديولوجيا والقادة التاريخيون، لكنهم اليوم باتوا ليس أكثر من مركوب يسهّل للنظام التركي تدخله ويؤمّن له تشكيل جماعات مرتزقة من السوريين الذين يعانون التشرد والعوز بعد أن نكّل بهم نظام بشار الأسد وحلفاؤه.
فالشعوب المسحوقة المفككة والتي تحطمت أحلامها يسهل استغلالها، خصوصا من قبل تجار الدين.
العميد أحمد رحال من كبار رجالات المعارضة الوطنية السورية الذين رفضوا أن يكونوا بيادق ومرتزقة لدى أردوغان وسواه، فكان مصيره السجن، في الوقت الذي يستغل النظام التركي مأساة السوريين وحاجتهم وعوزهم ليستخدمهم مرتزقة يقاتلون لمصلحته في سوريا وفي خارجها من ليبيا وصولا إلى أذربيجان.
هنا نلاحظ أن لا فرق بين نظام أردوغان ونظام ملالي طهران في استغلال العامل الديني لبناء تشكيلات وميليشيات قتالية من خارج بلديهما للقتال في الخارج لتحقيق أهداف لا تمت لهؤلاء المقاتلين وبلادهم وشعوبهم بِصلة.
كتب الدكتور أحمد السويسي على صفحته على الفيسبوك يقول “بعد قيام اردوغان بإرسال المرتزقة السوريين إلى أذربيجان، يتحدث المرصد السوري عن مقتل 30 عنصرا منهم في المعارك الدائرة في ناغورني كاراباخ وعن 62 مفقودا وجريحا.
لا فرق بين نظام أردوغان ونظام ملالي طهران في استغلال العامل الديني لبناء تشكيلات وميليشيات قتالية من خارج بلديهما للقتال في الخارج لتحقيق أهداف لا تمت لهؤلاء المقاتلين وبلادهم وشعوبهم بِصلة
الخليفة العثمللي يرسل ضحاياه من جيش الإنكشارية الجديد في عملية ’دوليڤري’ عسكرية منظمة من ليبيا إلى أذربيجان!”.
لكن أردوغان ليس خليفة وهؤلاء المقاتلون ليسوا إنكشاريين، هؤلاء لهم أهل وأبناء وبلاد تنتظر من يحررها من نظام دموي دمرها وقتل وشرد أهلها، ومن احتلالات متعددة بينها الاحتلال التركي.
في الواقع، لقد وجد رجب طيب أردوغان في جماعات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمين، الذين لهم تواجد منظم في الكثير من البلدان وعلاقات وثيقة بمجموعات “جهادية” في سوريا وليبيا وفي سواهما، ضالته. فعمل على استغلال هذا التواجد وتلك العلاقات إلى أقصى ما يمكن وصولا إلى تجيير عناصر من تلك الجماعات مستخدما سطوة الإخوان والعوز والمعاناة التي يعيشها السوريون لتشكيل فرق من المرتزقة للقتال لمصلحته.
وتتم عملية الإقناع على مرحلتين، يقوم الإخوان أو من يرتبط بهم بتهيئة العامل النفسي حيث يصورون أردوغان على أنه خليفة المسلمين وأن من يقاتل تحت رايته هم المجاهدون، ثم يتدخل عامل المال الذي يعرضه ضباط أتراك على المعوزين لتحويلهم إلى مرتزقة حقيقيين. وهكذا يغض الطرَفُ السوري الطرْفَ عن أن عدوه الذي شرده وقتل أهله وأذلّه لا يزال قابعا في دمشق، ثم يجهز نفسه للقتال في ليبيا أو في غيرها بناء على أوامر “الخليفة”.
هذا ما درج عليه نظام الملالي في طهران الذي عمل على استغلال الوجود الشيعي في العراق وفي لبنان وفي غيرهما من الدول في بناء ميليشيات طائفية تقاتل لمصلحته، فحشد منها عشرات الآلاف للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد بهدف السيطرة على سوريا من خلاله، في حين وجد في أتباع الحوثي في اليمن ما يحقق له هذه الغاية فضمّه إلى مجموعة الميليشيات التابعة له ودعمهم بالمال والسلاح والعنصر البشري من لبنان وما سواه.
لقد حاولت قطر استغلال الحضور الإخواني في البلاد العربية لمصلحة هيمنتها، فجعلت من الدوحة عاصمة للإخوان وجيّرت لهم الفضائيات والصحف. غير أن دول الخليج العربي أجهضت الحلم القطري في مهده فتلقفه أردوغان الذي أقام له قاعدة عسكرية في قطر ليقول للقطريين وليس لسواهم “أنتم في حمايتي!”، فكان له أن اختطف الدور القطري في استعمال الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي والجهادي وها هو يذهب إلى أقصى مدى في ذلك وصولا إلى استخدامهم في معاركه الدونكيشوتية هنا وهناك.
يحاول أردوغان مدّ أذرعه إلى حيث عدم الاستقرار، فيرسل وزير خارجيته إلى مالي التي شهدت انقلابا عسكريا قبل أيام. فما الذي يريده هناك؟ إنها أوراق يلعبها لتعزيز موقفه شرقي المتوسط في وجه فرنسا والأوروبيين. هل سبقه الإخوان المسلمون إلى هناك ليمهدوا له الطريق؟
وهكذا هم الإخوان والجماعات الإسلامية المسلحة التي يستعملها أردوغان على الطريقة الإيرانية. ليست أكثر من أوراق قابلة للحرق مقابل تأمين مصالح أو تحقيق أهداف”إمبريالية صغيرة” هدفها الأساس تصدير أزمة النظام إلى خارجٍ أكثر تأزما، في محاولة لتجنب انفجار الداخل في وجهه، فهل يطول به الأمر؟
عديد نصار – كاتب لبناني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة