في نهاية المطاف هناك عاملان مهمان أولهما يخص المعادلة السورية – التركية وثانيهما قدرة بشار الأسد على رفض ما يطلبه بوتين الذي يعتبر أن المصالحة السورية – التركية تصب في مصلحته.
هل من دور لبشار في إسقاط أردوغان أو نجاحه؟
واضح أنّ هناك رهانا لدى النظام السوري على سقوط رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية المتوقعة في 14 أيّار – مايو المقبل. واضح أكثر أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يدعم أردوغان ويرغب في بقائه رئيسا لتركيا. إلى الآن، استطاع بوتين إجبار بشّار الأسد على إرسال من يمثله إلى اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية انعقد حديثا في موسكو. بمجرد انعقاد الاجتماع الرباعي في موسكو يكون بشّار تراجع عن كلّ الكلام العلني الذي صدر عنه في العاصمة الروسيّة أخيرا عن شروط مطلوبة كي يقبل بحوار سوري – تركي.
لم يعد لدى بشار الأسد ما يفعله غير السعي إلى تفادي عقد لقاء مع الرئيس التركي قبل موعد الانتخابات. لدى رئيس النظام السوري ما يكفي من الأوهام التي تجعله يعتقد أنّه يتحكّم بالانتخابات الرئاسيّة التركيّة وأنّه قادر على حرمان أردوغان من الوصول إلى الرئاسة بمجرد التمسك بشروط معيّنة لا علاقة لها بالواقع. من بين هذه الشروط انسحاب عسكري تركي غير مشروط من الأراضي السوريّة. يبدو مثل هذا الشرط المحدد تعجيزيا أكثر من أيّ شيء نظرا إلى أنّ ليس في استطاعة أي مسؤول تركي القبول به من جهة وحرّية التدخل في الشمال السوري الذي يضمنه اتفاق أضنه، الموقع في العام 1998، لتركيا على طول حدودها مع سوريا من جهة أخرى.
◙ بالنسبة إلى قدرة بشّار على رفض ما يطلبه منه بوتين، سيتبيّن مع الوقت أنّه لا يستطيع ذلك. ستجبره إيران، التي تتحكّم بقرارات النظام السوري، على مراعاة الرئيس الروسي
يستطيع الرئيس الروسي التفاهم مع أردوغان، فيما يعتبر بشّار الأسد أن التخلص منه بمثابة انتصار شخصي له. لا يبدو رئيس النظام السوري مستعدا لأخذ العلم بأنّه عاجز عن لعب دور في الداخل التركي وفي الانتخابات الرئاسيّة تحديدا. أكثر من ذلك، يبدو واضحا أنّه يرفض أن يأخذ في الاعتبار المصالح الشخصيّة لفلاديمير بوتين. لا يمكن تجاهل كون الرئيس التركي يراعي الرئيس الروسي إلى حد كبير في كلّ ما له علاقة بحرب أوكرانيا. يأتي ذلك في وقت بات مصير بوتين مرتبطا بما ستؤول إليه هذه الحرب.
فوق ذلك كلّه، لا يستوعب بشّار أنّ أقصى ما يستطيع عمله الامتناع عن تقديم هديّة ما للرئيس التركي تحول دون إعادة انتخابه رئيسا. سيستعين من أجل ذلك بكلّ الحجج التي في متناوله لتفادي لقاء مع أردوغان قبل موعد الانتخابات. سيكون الاعتماد على إيران سلاحه الأوّل والأخير في لعبة التسويف هذه. ليس معروفا إلى أي مدى ستذهب “الجمهوريّة الإسلاميّة” في دعم موقف رئيس النظام السوري، خصوصا أنّ لديها حسابات خاصة بها إن في ما يخصّ بوتين وإن في ما يخصّ أردوغان الذي دعمها من تحت الطاولة في مجال تجاوز العقوبات الغربيّة عموما والأميركيّة خصوصا.
في نهاية المطاف، هناك عاملان مهمّان أوّلهما يخص المعادلة السوريّة – التركيّة وثانيهما قدرة بشّار الأسد على رفض ما يطلبه بوتين الذي يعتبر أن المصالحة السوريّة – التركيّة تصب في مصلحته. يسعى بوتين إلى تفادي حلول رئيس يؤمن بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، مكان أردوغان الذي باتت تربطه به علاقة قويّة منذ اشترى منظومة صواريخ روسية مضادة للطائرات من نوع “أس –400” متحديا الولايات المتحدة.
بالنسبة إلى المعادلة السوريّة – التركيّة، قدّم أردوغان بسبب مواقفه المتذبذبة خدمات كبيرة للنظام السوري، وذلك منذ ثار الشعب السوري بأكثريته الساحقة على الحكم الأقلّوي لبشار الأسد ونظامه في آذار – مارس من العام 2011. أدّى تأخر أردوغان في دعم المعارضة السورية بالشكل المناسب إلى التقاط إيران أنفاسها ورميها بثقلها، عبر ميليشياتها المذهبيّة، لدعم بقاء بشّار الأسد في دمشق. يجهل الرئيس التركي، الذي كان يخوض منذ سنوات عدة معركته الداخليّة للتخلص من خصومه داخل حزب العدالة والتنميّة، أنّ اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوري هي لغة توازن القوى التي مارستها تركيا معه بنجاح ليس بعده نجاح في الماضي القريب. كان تهديد تركيا بدخول جيشها من حلب وخروجه من الجولان وراء تسليم الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الذي كان يقيم في دمشق في العام 1998. تلا ذلك توقيع اتفاق أضنه الذي اعترف بموجبه النظام السوري بأن لواء الإسكندرون تركيّ وأن وصفه بـ”اللواء السليب” لم يعد واردا.
◙ لا يبدو رئيس النظام السوري مستعدا لأخذ العلم بأنّه عاجز عن لعب دور في الداخل التركي وفي الانتخابات الرئاسيّة تحديدا. أكثر من ذلك، يبدو واضحا أنّه يرفض أن يأخذ في الاعتبار المصالح الشخصيّة لفلاديمير بوتين
لجأ وقتذاك حافظ الأسد إلى التسويف. رفض في البداية تسليم أوجلان بحجة أنّه غير موجود في دمشق. قدم الجانب التركي الدليل وراء الآخر على وجود الرجل، المطلوب من أنقرة، في العاصمة السوريّة. وصل الأمر بالأتراك أن قدموا للجانب السوري اسم الشارع الذي يقيم فيه أوجلان ورقم البناية والطابق الذي يسكن فيه. وصل بهم الأمر أيضا أن زودوا الأجهزة السورية برقم الهاتف الذي يستخدمه الزعيم الكردي المطلوب ولائحة الأشخاص الذين يتصل بهم ويتصلون به. لم تنفع في نهاية المطاف سوى لغة القوّة. كان تحرّك الجيش التركي عند نقطة حدودية معيّنة كافيا كي يقتنع حافظ الأسد بأنّ لا بديل عن الاستسلام لمطالب أنقرة…
بالنسبة إلى قدرة بشّار على رفض ما يطلبه منه بوتين، سيتبيّن مع الوقت أنّه لا يستطيع ذلك. ستجبره إيران، التي تتحكّم بقرارات النظام السوري، على مراعاة الرئيس الروسي. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا، هل من دور لبشار في إسقاط أردوغان أو نجاحه؟ الجواب عن السؤال أن اللعبة التركيّة أكبر بكثير من أوهام رئيس النظام السوري، خصوصا في ظلّ وجود رغبة روسية في دعم أردوغان خشية وصول كمال كليتشدار زعيم حزب الشعب الجمهوري إلى الرئاسة. صحيح أنّ كليتشدار من الطائفة العلوية التركيّة، لكنّ الصحيح أن هذه الطائفة تختلف عن الطائفة العلويّة السورية. صحيح أن كليتشدار يميل مع آخرين إلى دعم النظام السوري، لكنّ الصحيح أيضا أنّه لا يمكنه التمرّد على ما يطلبه منه الأميركيون. هؤلاء يصرّون، إلى إشعار آخر، على مثول رئيس النظام السوري أمام محكمة دولية!
بشّار الأسد في تركيا أمام خيارين أحلاهما مرّ…
خيرالله خيرالله – إعلامي لبناني – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة