أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – بدأت الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها منذ اليوم الأول للهجوم الروسي، لتأثر بشكل كبير على أسعار المواد الرئيسية في سوريا مع اختلاف بسيط بين المناطق الحكومية وغيرها من الواقعة خارج سيطرة الحكومة، ولعل طول أمد الحرب في أوكرانيا، سيؤثر حكماً على المناطق الحكومية بالدرجة الأولى مع اعتمادها على حليفتها روسيا في تأمين المواد الأساسية، وخصوصاً القمح، حيث تستورد الحكومة من روسيا نحو مليون طن سنوياً، إلى جانب المحاصيل الزراعية الأخرى، كما من المتوقع أن تتأثر قطاعات عدة كالكهرباء والمحروقات وغيرها.
يأتي ذلك مع انهيار متسارع لليرة السورية والتي وصلت إلى 4000 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما سينعكس سلباً بالتأكيد على المواطنين لاسيما الفئة العاملة لدى مؤسسات الحكومة، التي تتقاضى أجورها الشبه ثابتة بالعملة السورية فرواتب الموظفين لا تتعدى الـ40 دولاراً شهرياً.
وخلال حوار خاص مع الكاتب والأكاديمي، د. مهيب صالحة، طرحت شبكة “أوغاريت بوست” العديد من التساؤلات حول الآثار الاقتصادية المحتملة على سوريا مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وماهي البدائل المتوفرة لكافة المناطق السورية لتفادي انهيار اقتصادي ومعيشي أكبر.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته “أوغاريت بوست” مع الدكتور مهيب صالحة:
– ما هي الآثار الاقتصادية المحتملة على سوريا مع استمرار الحرب في أوكرانيا ؟
يشبه وضع الاقتصاد العالمي الحالي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية الوضع الذي نجم عن حرب تشرين أول / أكتوبر ١٩٧٣بين كل من مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى والذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والطاقة عموماً وأسعار السلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج الزراعي مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي لأن الطاقة تدخل في تكاليف إنتاج معظم السلع والخدمات والغذاء بدوره يدخل في تكاليف الحياة لسكان العالم.
وفي الوقت ذاته كان الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة ركود اقتصادي تتمثل بارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الطلب العالمي الفعال على السلع والخدمات ، كما سبق ذلك بمدة قصيرة تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن التزاماتها بموجب اتفاق “بريتون وودز” للنظام النقدي الدولي وتخلي الدول عن قاعدة الذهب – الدولار واعتماد قاعدة تعويم عملاتها في سوق الصرف الداخلي والعالمي.
لقد عانت اقتصادات معظم الدول من ارتدادات حرب تشرين الأول / أكتوبر، الشرق الاوسط الذي يصدر النفط إلى أسواق أوروبا وشرق آسيا وبالوقت نفسه يستورد الغذاء، وأكثر ما تأثرت اقتصادات الدول المستوردة للطاقة وللغذاء وفاتورتها كبيرة منها.
– هل مناطق سيطرة الحكومة السورية هي الأكثر تضررا بالحرب الأوكرانية في ضل اقتصاد متداعي أصلاً ؟
شهد الاقتصاد العالمي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وقبله بأسابيع التلويح بالعملية العسكرية ارتفاعات حادة بأسعار النفط والغاز وأسعار الغذاء فروسيا وأوكرانيا تصدران ثلث حاجة السوق العالمية من الحبوب وتنتج روسيا حوالي 10 ملايين برميل نفط وتزود أوروبا بالغاز. وطبيعي ان تتأثر الدول الفقيرة والدول التي تستورد الطاقة والغذاء وبخاصة الحبوب مثل معظم الدول الأوروبية، وسوريا من بين الدول الفقيرة التي تأثرت أسواقها بارتفاع أسعار النفط والغاز وأسعار الغذاء والسلع والمستلزمات الزراعية وبخاصة الحبوب والزيوت النباتية والاعلاف والأسمدة، مما انعكس سلباً على الاقتصاد الوطني الذي هو أساسا يعاني من تضخم ركودي ( ارتفاع في المستوى العام للأسعار مع بطالة وتدهور الطلب الفعال وانهيار سعر صرف الليرة وتباطؤ عجلة الإنتاج ).
ويفترض أن سوريا منتجة للنفط وللغاز وللحبوب وبالتالي فهي غير معنية بحرب روسيا على أوكرانية من الناحية الاقتصادية، ولكن تزامن المسالة الأوكرانية مع المسألة السورية وفي كلاهما روسيا الفاعل الأساس، فسوريا انساقت إلى التفاعل مع حرب ليست حربها إنما كرد جميل من حكومتها للحكومة الروسية التي ساندتها في حربها ضد شعبها و ضد الجماعات الإرهابية خلال السنوات العشر الماضية. وروسيا ساهمت مع باقي الدول الفاعلة والمتدخلة في المسألة السورية في تقسيم سوريا إلى كونتونات تقاسمت ثرواتها واقتصادها، لذلك تتأثر المناطق التي تحت سيطرة حكومة دمشق اكثر ما تتأثر بارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية الاقتصادية لأنها افتقدت اهم مصادر الطاقة وزراعة الحبوب لذلك تشهد أسواقها عجزا كبيراً بالطاقة وبالزيوت النباتية والاعلاف والمنتجات الحيوانية، علاوة على تحجج كل من الحكومة والتجار والمتمولين بمؤشرات السوق العالمية الجديدة للطاقة والغذاء لممارسة عمليات شفط ممنهجة لدخول وثروات ومدخرات المواطنين حيث تتجاوز معدلات ارتفاع الأسعار المحلية معدلات ارتفاع الأسعار العالمية وتغدو الأسعار المحلية أكثر من أسعار الدول المجاورة لان جزء من هذا الارتفاع ناجم إما عن الاحتكار أو عن توقف الاستيراد او ارتفاع الضرائب وأتاوات الترفيق والحواجز الأمنية.
– هل تعتقد أن تداعيات الحرب في أوكرانيا ستكون أقل وطأة على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية ؟
لا شك يختلف تأثر كل منطقة (كونتون) من النتائج الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية لكن بنسب لا تتفاوت كثيراً لأن الاقتصاد السوري هو العباءة التي يتظلل تحتها كل السوريين وكل مناطق سوريا فالليرة السورية هي نقد التعاملات اليومية والتجارية للسوريين والموارد السورية يخضع الاستثمار فيها للشروط التي تفرضها الحالة السورية العامة المتردية فمثلا لم تتمكن الإدارة الذاتية شرقي الفرات من زيادة طاقتها الإنتاجية من أبار النفط والغاز التي تحت سيطرتها وزراعة الحبوب صارت تعتمد أكثر فأكثر على قوى الطبيعة وفقدان الأعلاف يؤدي إلى نفوق اعداد كبيرة من الثروة الحيوانية وبخاصة العواس، واعتمادها ايضا على ادخال السلع الغذائية والزيوت النباتية من تركيا وهذه ارتفعت أسعارها لأن تركيا مستورد للطاقة من روسيا وستعوض خسارتها في فاتورة الطاقة بسعر صادراتها الغذائية، والشيء ذاته في مناطق غربي الفرات وإدلب التي تخضع لسيطرة المعارضة الإسلامية وتركيا فهي ستتأثر بارتفاع أسعار الطاقة واسعار الغذاء، وسينعكس ذلك على تردي الاوضاع المعيشية اكثر مما هي متردية.
إن عموم سوريا يتأثر بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية وبالممارسات السياسية للقوى الداخلية المتصارعة وخوارجها التي تأخر الحل السياسي للمسالة السورية وربطها بمسائل إقليمية ودولية تزداد تعقيدا وتركيبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، واحتدام الحرب الباردة بين الغرب وروسيا مع احتمال بقاء تردد الصين التي لن تتوانى عن ابتزاز جميع الأطراف في حربها الاقتصادية لتكون الرقم واحد في الاقتصاد العالمي.
– ماهي البدائل المتوفرة لكافة المناطق السورية لتفادي انهيار اقتصادي ومعيشي أكبر مع استمرار الحرب الأوكرانية ؟
إن اقتصاد متهالك بعد حرب أهلية وتدخلات خارجية استمرت 10 سنوات ونيف وتزيد تكلفتها مع خسائرها عن تريليون دولار، وفي ظل بقاء الذهنية القديمة ومنظوماتها الرثة في إدارة الاقتصاد مع استشراء الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الإداري والمالي والثقافي والفني.. تصبح البدائل لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية محدود للغاية. على المستوى السياسي الإسراع بالحل أو التسوية السياسية إما بحوار وطني منتج يراعي خصوصيات المجتمع السوري التعددية والمتنوعة وخيارات الشعب السوري التي عبر عنها بثورته السلمية، أو بتطبيق القرارات الدولية وخاصة القرار “2254” الذي يرسم في البند الرابع خارطة طريق الحل السياسي.
وعلى المستوى الاقتصادي بدء حرب حكومية ومجتمعية على الفساد الإداري والمالي لإعادة الأموال المنهوبة خلال العقود الماضية ، ووضع استراتيجية اقتصادية تقوم على تشجيع المبادرات الفردية والاستفادة من الميزات النسبية للموارد الاقتصادية السورية وخاصة الموارد البشرية والموارد الطبيعية وتوزيع هذه الموارد وفق اولويات اقتصادية تتطلبها المرحلة الحالية ، الإنتاج الزراعي والصناعي وإنتاج الطاقة البديلة وإنتاج المعرفة، والانفتاح على العالم المتقدم والتخلي عن الخيارات الرجعية التي لم تعد صالحة في هذا العصر عبر تغيير الذهنيات التقليدية وبناء اساسات تفكير علمي منهجي وطنية لمعالجة كل القضايا بما فيها القضايا الاقتصادية.
حاوره: يعقوب سليمان