أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – أيام قليلة تفصل العالم على تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، في ظل الحديث والتساؤلات عن السياسة الأمريكية الجديدة في سوريا، وكيفية تعامل بايدن وإدارته مع الدول الفاعلة في الصراع السوري، وهل ستستمر سياسة العقوبات من أجل انخراط أطراف النزاع في حل سياسي وفق المقررات الدولية.
محللون سياسيون، أكدوا أن الملف السوري هو ملف “معقد للغاية”، كون الأطراف المتدخلة في الصراع في هذا البلد لها أجندات وسياسات وأهداف خفية، ولا تمد السوريين وتطلعاتهم بصلة، مرجحين أن إدارة بايدن ستواجه روسيا في سوريا بشكل حازم.
وحول السياسات المتوقعة لإدارة بايدن حول الملف السوري، وكيفية التعامل مع روسيا وتركيا وإيران، وهل ستواصل إدارة بايدن العمل بسياسة ترامب واستمرار العقوبات على الحكومة في دمشق، تواصلت شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية مع الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عماد عبد الهادي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته شبكة “أوغاريت بوست” مع المحلل السياسي د. عماد عبد الهادي:
– تقارير إعلامية أمريكية رجحت عودة العلاقات مع الحكومة السورية في عهد بايدن بتوافقات مع روسيا، كيف تنظرون لذلك ؟
لنتفق أولاً أن مشكلة سوريا معقدة للغاية بفعل تورط عديد الأطراف فيها من روسيا لأميركا وإيران وتركيا، وكل له أهدافه المختلفة المعلنة والخفية. حالياً القوتين العظمتين اتفقا على تركها مجمدة ويحكمهما اتفاق غير معلن على ذلك. لكن هناك تباين في موقفيهما. حالياً واشنطن تريد هدفاً أساسياً هو جلاء القوات الاجنبية عن سوريا والمقصود هنا الايرانية. روسيا تستخدم ايران لخدمة مصالحها العسكرية الامنية كميليشيات تشكل اسناداً هاماً لكل من روسيا وقوات الجيش السوري.
فيما يتعلق باجندة بايدن ليس واضحاً حتى الآن خاصة وإنه لم يأت على ذكرها خلال حملته الانتخابية وبعدها. لكن بايدن له اجندة مختلفة تجاه إيران كما صرح مراراً. العودة للاتفاق النووي خلال مباحثات بشان جوانب أخرى لم يشملها الاتفاق بدعم الترويكا الاوربية مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية والتدخل والتمدد السافر لإيران إقليمياً. من هنا فقط نستنتج إنه سيفعل ما يمكنه لتفادي التصعيد أو المواجهة. مع كل هذا فمهمته الإيرانية لن تكون سهلة بفضل ما فرضته إدارة ترمب من عقوبات مشددة حتى الساعات الاخيرة. كما إنه لن يستطيع القفز على إرث ترمب السياسي بسهولة، بعد أن أعلن إيران الراعي الأول للإرهاب إقليمياً وعالمياُ. كما لا يمكنه تجاهل نواقص ومثالب الاتفاق الحالية. والتصعيد الإيراني الأخير على أكثر من صعيد سواء بانتهاك بنود الاتفاق والتصعيد عسكرياً تهديداً وفعلا كما رأينا مؤخراً من إطلاق عشرين صاروخاً باتجاه بارجة أمريكية. وان كان البعض يرى أن التصعيد ولغة التهديد تزامن مع وذكرى مقتل قاسم سليماني زعيم فيلق القدس. وإنه لا يستهدف إدارة ترمب بقدر ما يرمي لتحسين شروط التفاوض مع إدارة بايدن أي رفع سقف المطالب وفي مقدمتها رفض قاطع لتناول برنامج الصواريخ وأيضا ضرورة البدء برفع العقوبات التي تدفع الاقتصاد الإيراني إلى حافة الهاوية. هكذا تبدو مهمة بايدن شبه مستحيلة.
فيما يتعلق بروسيا من المرجح أن يتخذ بايدن موقفاً صارماً مع الأخذ في الاعتبار ان ترمب اتبع سياسة رخوة مع موسكو ما أثار شبهات حول سر علاقته بموسكو.
بالنسبة لتركيا من الواضح ان بايدن ينوي لُي ذراع اردوغان وسبق له أن هدد وتوعد بذلك في شريط مسرب العام الماضي إن اردوغان رجل لا يفهم إلا لغة القوة ومن ثم نتوقع اتخاذه خطاً متشدداً مع أنقرة. وإن غداً لناظره لقريب. مع الاخذ في الاعتبار دائما ان كلام الحملات الانتخابية يذهب عادة إدراج الرياح لتحل محله لغة السياسة العملية واعلاء شان المصالح الامريكية على ما عداها، خاصة وأن تركيا عضو أساسي وهام في الناتو ومن الصعب استعدائها. كما أن علاقة اردوغان ببوتين أو علاقة الأخوة الأعداء وكيف يستخدمها لابتزاز كل من موسكو وواشنطن التي تخشى تصعيداً مع تركيا يدفع بها أكثر إلى احضان الدب الروسي. وهذا بيت القصيد.
– هل ستأخذ العقوبات الأمريكية على الحكومة السورية في عهد بايدن طابع التصعيد بشكل أكبر؟
حالياً لايزال مستبعداً ذلك لان سجل الأسد المشين على أكثر من صعيد، مما يصعب مهمة إعادة تأهيله سياسياً على المسرح السياسي الدولي. ولا يبدي بايدن أي استعداد لذلك. ولم يصدر عنه اي تصريح بهذا الصدد.
– هل سيكون هناك مزيداً من الدعم لقوات سوريا الديمقراطية بعهد بايدن، أم إن سياسة ترامب ستستمر في تلك المنطقة ؟
من المتوقع ذلك إذا أخذنا في الاعتبار أولاً ما جاء في حديثه المسرب إنه توعد اردوغان بمساندة المعارضة التركية. وأهم من ذلك الخطأ السياسي المأساوي لترمب حين خدعه أردوغان واقنعه بتركه التعامل مع قوات سوريا الديموقراطية وشن عملية عسكرية قتل فيها مئات الاكراد. هذا الخطأ اثار عاصفة عارمة من الانتقادات بينها من أعضاء الحزب الجمهوري البارزين بينهم لينزي غراهام والمقرب من ترمب، بل انه اشتبك في جدل حاد مع اردوغان خلال زيارته الاخيرة للبيت الابيض بدعوة من ترمب حاول خلالها إصلاح العلاقة بين اردوغان وزعماء الكونغرس. وحين حاول أردوغان الدفاع عن موقفه باتهام الحزب بالإرهاب. هنا رد عليه غراهام على نحو حاد إن بوسعه الاتيان بعشرات الامثلة على عمليات تركيا الوحشية ضد قوات سوريا الديموقراطية.
هناك أيضا تيار سياسي في واشنطن معاد لتركيا عبر عنه أعداد كبيرة من السياسيين والمعلقين يعادون اردوغان، ويشيرون أنه لم يعد يرقى الى مستوى حليف لأن كل سياساته الاقليمية تتعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة. كل هذا يرجح تصعيداً في التوتر بين الاثنين أكثر من أي شيء آخر.
قرار الانسحاب كان فردياً أعلنه ترمب دون استشارة من أي من مساعديه ولا مستشاريه في البنتاغون الذي اعترض بشدة عليه لاحقا، مشيراً إلى أن الأمر يستغرق شهوراً حتى تتمكن القوات الامريكية من تثبيت أقدامها على مناطق شمال شرق سوريا، وان الانسحاب بهذه الطريقة ليس سوى الإطاحة بهذه الجهود في أدراج الرياح. بمثل ما اعترض اعضاء بالكونغرس بالحزبين وكما اشار غراهام أن الأكراد رفاق سلاح قاتلوا معنا كتفاً بكتف ضد تنظيم داعش وهو ما لم يفعله أردوغان لرفضه القتال الى جانب أعدائه اللدودين الاكراد. فكيف نتركهم فريسة صائغة له في العملية العسكرية ثم ننسحب اليوم ليصبحوا على حافة الهاوية أمام جيش اردوغان العرمرم. وفي آخر تصريحات لوزير الدفاع الاخيرة مارك اسبر، قال بوضوح أن عديد القوات الامريكية في شمال شرق سوريا حتى انتهاء مهمتها في القضاء على داعش قضاء مبرماً والحيلولة دون عودة فلول التنظيم التي هربت وإعادة تنظيم صفوفها ولديها تمويل بالملايين، واشار تقرير للاستخبارات الامريكية إلى تنامي وجود داعش في دول غرب افريقيا حيث يتدفق مقاتلوه على بلدان الساحل مثل السنغال والنيجر ومالي، حيث تنشط جماعات جهادية في مقدمتها بوكو حرام وتنظيم يعرف بالمرابطين.
كما اشارت تقارير ان داعش يصوب عينيه نحو الصومال كملاذ آمن بعد أن فقد تمركز دولته الاسلامية المزعومة في سوريا والعراق وأعلن ترمب القضاء عليه قضاء مبرماً وعارضت أجهزة الاستخبارات هذه التصريحات، وهو ما ثبت لاحقاً افتقادها المصداقية بدليل تنفيذه عمليات في العراق في الآونة الأخيرة، كما أن التحالف الدولي لايزال ينفذ عمليات ضد فلول التنظيم في العراق وسوريا حيث يسعى التنظيم الى إعادة تنظيم صفوفه في تحد سافر لتنظيم القاعدة وانضم اليه بالفعل تنظيمات كانت موالية للقاعدة سابقاً مثل المرابطون الجهادي.
كل هذا دفع واشنطن إلى إعادة التفكير في زيادة وجودها العسكري هناك. نعم النفط عامل مهم في بقاء القوات الامريكية وسبق ان صرح ترمب بذلك قائلا نحن هناك لحماية آبار النفط حتى لا تقع في أيدي النظام السوري، وأن أميركا ستقوم ببيعه وتقديم عائداته لقوات سوريا الديموقراطية لمساعدتها على دعم وجودها هناك. وبالفعل وصلت أحدى كبريات شركات التنقيب عن النفط إلى هناك وبدأت العمليات هناك.
– في حال فشل العقوبات الأمريكية على الحكومة السورية ، ماهي البدائل المطروحة للإدارة الأميركية الجديدة؟
أميركا في حلف معلن مع تركيا ضد نظام الاسد وهي متعاونة ومتفقة في الاهداف في هذا الصدد، وقد غضت الطرف مراراً عن مغامرات أردوغان العسكرية في شمال شرق سوريا، رغم معرفتها جيداً بأن الميلشيات السورية الممولة والمدربة والمسلحة تركيا تضم عناصر جهادية من بينها تنظيم النصرة المعروف بولائه للقاعدة.
من المحتمل أن ترفع واشنطن استخدام آلية العقوبات ضد النظام وليس أمامها بديل آخر لأنه لا توجد شهية أمريكية للتدخل عسكرياً لقلب نظام الأسد عسكرياً.
– هل ستلعب الولايات المتحدة دوراً أكبر في الحل السياسي بمشاركة كافة الأطراف السورية؟
هذا يتوقف على عوامل عدة من بينها توافق روسي امريكي، وأن كان ذلك لا يبدو وارداً حتى الان. وأن كان الواقع يمكن أن يشير إلى ذلك مع اعتبار أن كل اللقاءات الثلاثية بين تركيا وروسيا وايران فشلت في حل المعضلة السورية طالما غاب اللاعب الاكبر على المسرح الدولي. ولا قدرة لأي من الدول الثلاث المتورطة في الصراع أن تفعل خطة ناجعة لحل أزمة سوريا الكبرى وهى إعادة الإعمار بعد حرب ضروس عمرها أكثر من تسع سنوات بدون الدعم الدولي وعلى رأسه أميركا قلب الاقتصاد العالمي وصاحبة الكلمة العليا في المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق الدولي المعنية بمساعدة الدول المتعثرة اقتصادياً.
وأعلنت واشنطن مراراً على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو والمندوب المكلف بالملف السوري، إن أي مساعدات لسوريا لن تشمل المناطق الخاضعة للنظام، لأن لها شروط ومتطلبات نصت عليها اجتماعات سابقة تحت رعاية الأمم المتحدة ومن بينها طبعاً إجراء انتخابات حرة نزيهة تشمل كل أطياف ومكونات الشعب السوري، فضلاً عن خروج القوات الاجنبية وفِي مقدمتها الايرانية وهذا بالطبع مطلب اسرائيل بقدر ما هو أمريكي. كما إنه جزء من الحصار المفروض على نظام الملالي عبر العقوبات وتقليص دور طهران على التمدد إقليمياً عبر تمويل الأذرع الإيرانية والشيعية إقليمياً من العراق إلى سوريا ولبنان المختطف سياسياً بقوة السلاح والتمويل إيرانياً.
حوار: ربى نجار