أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – في وقت تختلف الآراء حول ما يجري من تصعيد عسكري في الشمال السوري بشقيه، مناطق الإدارة الذاتية و “خفض التصعيد”، من حيث اعتقاد بعض الشخصيات السياسية والأوساط المتابعة أن هذا التصعيد من سينهي كافة المسارات الفاشلة التي لم تحقق أي انجاز في إطار الحل السياسي في سوريا، فيما قال آخرون أنه “بوابة” لمرحلة صراع جديدة بين أطراف الصراع على السلطة، وبالتالي استمرار جمود الحلول السياسية ومواصلة الحرب.
منذ أسبوعين.. تدمير البنى التحتية في الشمال الشرقي و”خفض التصعيد” يتحول لجحيم
ومنذ نحو أسبوعين تشهد المناطق الشمالية السورية، سواءً مناطق الإدارة الذاتية و “خفض التصعيد”، تصاعداً كبيراً في مستوى العنف غير المسبوق، من حيث شن تركيا لعشرات الغارات الجوية باستخدام أكثر من 50 طائرة حربية ومسيرة على البنى التحتية في شمال شرقي البلاد، أسفرت وفق تقارير إعلامية عن تدمير 80 بالمئة من المنشآت والمرافق الحيوية، تأثر بها أكثر من مليونين ونصف المليون إنسان بشكل مباشر، وأغرقت مدن وبلدات بأكملها في ظلام دامس دون أي طاقة ولا مياه.
أما في الجانب الآخر، “خفض التصعيد”، بدأت قوات الحكومة السورية بمساندة روسية، عمليات قصف عنيفة عبر الجو والبر، وباستخدام قنابل الفوسفور الأبيض، المحرمة دولياً، والتي طالت أيضاً مناطق مدنية وآهلة بالسكان في أرياف إدلب وحماة واللاذقية وحلب ضمن منطقة “خفض التصعيد”.
صمت دولي مريب وغير مبرر
عمليات التصعيد هذه في الشمال، أسفرت عن سقوط ضحايا وقتلى بالعشرات إضافة لمئات المصابين والمفقودين، أغلبهم من المدنيين، في ظل صمت دولي وأممي مريب وغير مبرر، وسط اكتفاء بعض الأطراف أحياناً بإصدار بيانات إدانة واستنكار والدعوى لوقف إطلاق النار.
“كل تصعيد في الشمال الشرقي يقابله تصعيد في الشمال الغربي”
وأكد سياسيون سوريون أن ما يحدث في الشمال الشرقي السوري مرتبط بما يحصل في شمال غربه، ولا يمكن فصلهما عن بعض، كون الأطراف المتصارعة على السلطة منذ عقد هم أنفسهم يتحكمون ولهم نفوذ في هذه المناطق، ولذلك فمن البديهي أن يكون هناك تصعيد يقابل التصعيد الآخر، وهو ما تعود عليه السوريون خلال سنوات الحرب.
وتؤكد السياسية السورية، وعضوة اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة المبيض، خلال حوار مع شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، أن كل الأطراف المهيمنة على الاقاليم السورية تريد فرض الهيمنة العسكرية على الآخر، مشددة أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لطالما فشلوا في حماية السوريين من آلة القتل التي تنكل بهم منذ أكثر من 12 عاماً.
وشددت أنه لوقف التصعيد يجب أن يكون هناك آلية تبنى عليها رؤية سياسية شاملة تحقق الأم والاستقرار لكافة الأطراف وذلك منعاً لتقسيم البلاد، وأشارت إلى أنها تعتقد أن هذا التصعيد الحالي هو إنهاء لكافة المسارات الفاشلة والفاعلين ضمنها.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، مع السياسية السورية الدكتورة سميرة المبيض:
– برأيكم هل هناك أي علاقة بين التصعيد العسكري في مناطق الإدارة الذاتية و “خفض التصعيد” ؟
– بالتأكيد، التصعيد في عموم الاقاليم الشمالية السورية له دوافع تسعى بمحاولات الهيمنة العسكرية لدول الجوار على مناطق تقارب نصف مساحة سوريا وتنطلق بنفس الادوات والذرائع والتلاعب السياسي. وتشارك بها كافة الأطراف المتواطئة ضد حق السوريين ببناء دولتهم الحديثة وبمواردهم وبتنمية بلادهم وتقدم شعوبها.
– من المعلوم بأن استهداف البنى التحتية لأي منطقة خلال الحروب “جريمة” فلماذا كل هذا الصمت حيال ما يجري بالشمال ؟
– كشفت الحرب المستمرة منذ اكثر من اثني عشر عام في سوريا على عجز القوانين الدولية وتقاعسها عن محاسبة اي طرف يستهدف البنى الحيوية ويهدد أمن المدنيين، والشمال السوري شاهد اليوم على استهداف محطات الطاقة والمياه والمدارس والمشافي دون رادع ودون حساب عدا عن بعض التصريحات بالقلق من مسؤولين في المؤسسات الدولية والتي لا تزيد عن تكرار كلمات فارغة في الهواء وذلك أمر جلل، لان حياة الملايين معظمهم من النساء والاطفال مهددة من قبل جهات معروفة ومحددة ولا تعمل اي جهة أو مؤسسة دولية على حمايتهم وضمان أمنهم، بل نجد محاباة وصمت وغض نظر عن معاناتهم وإن عبر ذلك عن أمر فهو يعبر عن فشل كافة المسارات الدولية لايجاد حل مستدام للقضية السورية ويتوجب بهذه الحال المطالبة بكف يد هذه الجهات وممثليها في التشكيلات السياسية المعارضة والمتواطئة بهذه الاعتداءات، والانطلاق من الشعب السوري ومن رؤيته لمستقبل بلاده ولتنفيذ حقه بتقرير المصير.
– هل تتواصلون مع أي أطراف دولية أو أممية للضغط على أنقرة وموسكو لوقف تصعيدهما في الشمال ؟
– الجهات الفاعلة في الملف السوري متعددة ومتناقضة الرؤى، فوقف التصعيد يجب أن يبنى على رؤية سياسية مستدامة تحقق الاستقرار والامن لكافة الاطراف، وهذا ما قمتُ بطرحه في مبادرتي بالسابع من ايار حول استقلالية الأقاليم الشمالية انطلاقاً من هذه المناطق نحو بناء سوريا الاتحادية منعاً لتقسيم سوريا ودرءاً لاندثار هويتها وتشريد شعوبها وانتهاك حقوقهم من اي طرف كان.
– هل يمكن اعتبار التصعيد العسكري الحالي هو دق المسمار الأخير في نعش الحل السياسي في سوريا ؟
– التصعيد العسكري الحالي هو انهاء لكافة المسارات الفاشلة والفاعلين ضمنها وبالاخص ممن باعوا قضية السوريين وساهموا بمآسي الناس، فهي خطوة كاشفة عن مزيد من التلاعب السياسي ومساعي التغول على الحقوق، وستدفع السوريين حتماً بمسار اكثر تقدماً يتجاوز ما يفرض عليهم من شخوص وحلول بعيدة عن الواقع السوري لفرض خارطة طريق سورية، تنهي حقبة الشمولية وتؤسس لدولة سوريا الحديثة كما يستحقها أهلها وأجيالها القادمة.
حوار: ربى نجار