وسط التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، تجد تركيا نفسها في موقف صعب ولكنه مهم نظراً لحدودها الطويلة مع إيران. إن رد فعل أنقرة على الصراع المتصاعد، ودورها المحتمل، وكيف يمكن أن ترد، يتطلب اهتماماً كبيراً.
رد فعل أنقرة، المعروفة بردودها السريعة على التطورات الدولية، كان رد فعلها غير عادي على الغارات الجوية الإيرانية ضد إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي: لقد كانت متأخرة وحذرة. ولم يرد على الفور الرئيس رجب طيب أردوغان ولا وزير الخارجية هاكان فيدان. وجاء الرد الرسمي الأول من وزارة الخارجية، التي لم تدن ولم تنتقد الضربة الإيرانية. وبينما أدانت تركيا الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، فقد وصفت الهجوم الإيراني بأنه رد. ولم تتفاجأ أنقرة بتصرفات إيران، إذ كانت تتوقعها. ومع ذلك، فإن التبادلات بين إيران وإسرائيل مستمرة. ويبدو أن إسرائيل شنت يوم الجمعة هجوما على الأراضي الإيرانية، مما يهدد بجر المنطقة إلى الصراع.
وقد أجرت تركيا محادثات مع كل من إيران والجهات الفاعلة الغربية قبل وبعد هذه الهجمات. تعتبر أنقرة من بين الجهات الفاعلة القليلة التي لديها قنوات خلفية مع إسرائيل وإيران وحماس والولايات المتحدة، بهدف معرفة حدود التوترات المتزايدة وتكون ذات صلة على الساحة الدبلوماسية.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن إيران أبلغت تركيا بشأن عمليتها المخطط لها ضد إسرائيل، لكن الكثيرين تساءلوا عن سبب رد أنقرة بحذر شديد ومتأخر على هذه التطورات الحاسمة على عتبة بابها. ويتلخص مصدر القلق الرئيسي بالنسبة لتركيا في التصعيد الإقليمي المحتمل للحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة، والذي يعقبه خطر تصاعد التوتر الإيراني الإسرائيلي.
تتألف سياسة تركيا بشأن التوتر الإيراني الإسرائيلي من ثلاثة أبعاد: إيران، والولايات المتحدة، والديناميكيات الأمنية.
العلاقات التركية الإيرانية ليست مفروشة بالورود، لكن أنقرة تدير علاقاتها مع طهران بحذر. وتصاعدت التوترات التركية الإيرانية في السنوات الأخيرة بسبب خلافاتهما بشأن العراق وسوريا، ولبنان وحتى الأكراد.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التوترات وانعدام الثقة، تعلمت تركيا وإيران التعامل مع بعضهما البعض بطريقة أقل تصادمية. وكثيراً ما توصف علاقاتهما بأنها “منافسة يمكن التحكم فيها” أو “تعاون متردد”، كما تتصادم سياساتهما الإقليمية في كثير من النواحي. وعلى الرغم من أنهما على نفس الصفحة فيما يتعلق بمحنة الشعب الفلسطيني في غزة، إلا أنهما يشتركان في دوافع ورؤى مختلفة.
أما البعد الثاني فيتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يلتقي أردوغان بالرئيس جو بايدن في 9 أيار، وهو أول لقاء بينهما منذ سنوات. وجاءت الدعوة من الولايات المتحدة، وأردوغان يولي أهمية لهذا الاجتماع. ومن المتوقع أن يمضي الزعيمان بحذر، ويتجنبا التصرفات التي قد تزيد التوتر. وفي هذا الصدد، يعد اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بوزير الخارجية التركي بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل مهمًا، بهدف الحصول على رد دبلوماسي منسق. واعترفت الولايات المتحدة بأن تركيا لعبت دورًا حاسمًا في نقل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة. وطلبت واشنطن من أنقرة إبلاغ إيران بأن أي إجراء يجب أن يظل “ضمن حدود معينة”. كما طلبت الولايات المتحدة من إبراهيم كالين، رئيس جهاز الاستخبارات التركي (MIT)، العمل كوسيط في التوترات بين إسرائيل وإيران. وتزيد هذه التطورات من أهمية تركيا السياسية.
كما تواصلت تركيا مع قيادة حماس، وكثفت دبلوماسيتها لمنع الحرب في غزة من أن تطغى عليها التوترات الإسرائيلية الإيرانية. وفي الأسبوع الماضي، زار فيدان قطر لإعادة الحرب في غزة إلى واجهة الاهتمام الإقليمي، حيث التقى بقادة حماس السياسيين ومسؤولين قطريين. وفي حرب غزة، وصفت أنقرة حماس بأنها حركة تحرير وليست منظمة إرهابية، وبعيدة عن حلفائها الغربيين. كما فرضت أنقرة قيودًا على التصدير إلى إسرائيل، وستحتفظ بها حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. وعلى الرغم من كسر الثقة المتبادلة، تحاول أنقرة الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والتي تعتبر حاسمة في أوقات التوتر.
البعد الثالث للمنظور التركي يتعلق بالأمن. وتهدف أنقرة، التي تتصارع مع تداعيات الحرب السورية، إلى منع المزيد من الصراعات الإقليمية، خاصة على أعتابها. تشترك تركيا في حدود طويلة مع إيران، مما يجعلها عرضة على نحو خاص للآثار السلبية لعدم الاستقرار المحتمل، مثل أزمة اللاجئين.
المصدر: صحيفة عرب نيوز السعودية
ترجمة: أوغاريت بوست