اوغاريت بوست (مركز الاخبار) – رأي السياسي حسان فرج أن الشعب السوري كان فاقداً لقراره منذ بداية الأزمة. العوامل الخارجية دخلت بقوة في الصراع الأساسي وتم تحييده عن مساره. بينما المستفيد الأساسي من هذا الصراع كانت الأطراف المتدخلة وعلى رأسها “إسرائيل وأمريكا”.
بعد ثمان سنوات من الحرب والصراع والدمار على زالت أصوات المدافع تطغى على المشهد السوري العام على حساب صوت الحوار والحلول السياسية. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو؛ ماذا حقق الشعب السوري بعد ثمان سنوات من الأزمة؟ هذا السؤال وجملة أسئلة أخرى نطرحها على عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الديمقراطي السوري الأستاذ حسان فرج، في حوار مطول ننشره على حلقتين.
نص الحوار:
– ماذا حقق الشعب السوري بعد ثمان سنوات من الأزمة؟
في سؤالكم فرضية أن الشعب السوري كان لديه موقف موحد منذ بداية الأزمة، ويفترض السؤال أيضاً أنه كان صاحب قرار ولازال، من هذا المنطلق وجب توضيح عدة نقاط أهمها أنه:
أولاً- لا يمكن الجزم بأن الشعب السوري كان موحداً في “انتفاضته” او “ثورته” او “حراكه”- لنسميها ما شئنا – لأن البعض يعتبرها مؤامرة بسبب عواقبها الكارثية والتداخلات الدولية التي تبعتها، لكن ما يمكننا القول هو أن ما درج على تسميته بـ”الربيع العربي” كان بمجمله كان عملية مباغته لمجتمعات اعتادت على الرضوخ وقبول الأمر الواقع لعهود ، وما جرى من أحداث أعطى بصيص أمل لمجتمعات باتت بأمس الحاجة للتغيير لمواكبة المتغيرات السريعة في العالم سعياً وراء حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان والبحث عن العدالة الاجتماعية .فإذا أردنا إجراء مراجعة سريعة لما حدث علينا البحث عن جذور الأزمة أولاً وفهم مختلف أبعادها المحلية والإقليمية والعربية وحتى العالمية لأنها كلّ لا ينفصل، وعليه وجب تقبل والاعتراف بالحقيقة التالية، أن هذه الأزمة كانت نتاج لعوامل داخلية وخارجية. يمكننا تلخيصها بالتالي أولا:
-استمرار نظام حكم على مر عقود بشكل سلطوي فردي، دون إعطاء أي فرصة للنخب لتصل وتساهم وتشارك بإمكاناتها وإبداعاتها لإيجاد الحلول للمشاكل المتتالية وتخطي العقبات وتواكب تطورات العصر التي كانت سورية ولازالت تواجهها، وإن لم تجد الحلول المثالية على الأقل تقلل من وطأة الإحباط وتمنع الاحتقان، ابتداءً بمشاريع التنمية والتطور التي بقيت دون المستوى المطلوب لمواجهة الهجمة العالمية عبر الانفتاح الاقتصادي والعولمة …فسورية لم تكن محصنه داخليا بما فيه الكفاية عبر العدالة والمساواة وسلطة القانون وعبر تطويره المستمر لمواكبة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخليا وخارجيا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي فلقد أطلق العنان للثراء الفاحش لطبقة قليلة تتمتع بحظوة وامتيازات ، على حساب الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة الكبيرة، وفي المدن على حساب الريف ، وبدلاً من أن يكون هذا الانفتاح باباً لرفع مستوى دخل الفرد بشكل عام ، كانت نتائجه ازدياد الفوارق الطبقية بشكل خطير عبر تغوّل تلك الطبقة على حساب السواد الأعظم من الطبقات الأخرى ..
وقد زاد من حدة الأمر غياب الحياة السياسية التي توفر وجود قوى تتنافس لإيجاد أفضل الحلول لمواجهة التحديات وخلق توازنات ضرورية عبر تداول السلطة ومع غياب المشرع الحقيقي عبر مجلس النواب الغير موجود أصلا، والذي يحل مكانه مجلس صوري ما يدعى بمجلس الشعب الذي لا يقدم ولا يؤخر في هكذا أمور مصيرية، أضف إلى غياب القضاء المستقل النزيه الذي يعمل على تطبيق القوانين مما أدى إلى استفحال الوضع بازدياد حالة الظلم والفساد، كنتيجة لهذه السياسة المتغطرسة التي لا تقبل الانتقاد ولا الحوار ولا المحاسبة. مما جعل الوضع في حالة احتقان مستمر لدرجة الانفجار بانتظار أي شرارة للاشتعال أو الانفجار ومن أي طرف كان داخلياً أم خارجياً.
ثانيا: القضية المحورية وهي الصراع العربي/”الاسرائيلي”، وأهمية الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وانعكاساته الخطيرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية على سورية وكأحد أهم دول الطوق والمواجهة. فالشعب السوري لم يعد يتقبل الوضع الراهن مع مزيد من التضحيات لأجل القضية المركزية طالما جزء من الطبقة الحاكمة لم تنفك تذكره بها ليلاً نهاراً دون أن تعطيه المثال الذي يحتذى، فموضوعياً الطبقة الفاسدة لا يمكنها أن تعطي دروساً في الوطنية، فكان فقدان الثقة بينها وبين الشعب أمراً حتميا مع حالة إحباط واحتقان مزمن، فعامل الثقة كان أمراً ضروريا لتقبل الصعوبات المعيشية وتحملها تجاه التحديات الاقتصادية الداخلية والتحديات الاستراتيجية والسياسية الخارجية وانعكاساتها الاقتصادية السلبية على وضعه… بعبارة أخرى المواطن لا يمكن أن يتحمل الصعوبات في جو الظلم والفساد لكنه يتقبلها في جو العدالة طالما يبقى هناك الأمل لإصلاحها أو تجاوزها…. أضف إلى أن الصراع العربي/”الإسرائيلي” دخل مرحلة جديدة من الانقسامات العربية تجاه العداء “لإسرائيل” والذي تجلى بشكل واضح بعد سقوط بغداد وحرب 2006 فهذا التحول الكبير الذي ظهر للعيان كان بادرة شؤم على دول المنطقة التي لم تفلح باستباق الخطر والدخول بتحولات ديمقراطية حقيقة للحفاظ على الوحدة الوطنية وإشراك الشعب بأطيافه بمسؤولية التحرير والمواجهة وهنا يكمن الخطأ الأكبر عدم إشراك الشعب والتعامل معه على أساس المسؤولية المشتركة، بل عومل على أساس القاصر ، وهذا التعامل الدوني جعل من هذا الصراع خارج تطلعاته واهتماماته طالما تم إبعاده عن مركز القرار وبذلك تحولت القضية المركزية من أداة تجميع وتكتل لأجل قضية عادلة لأداة قمع وتسلط على حساب القضية مما افقدها روحها…فبدل أن تكون القضية لصالحه أصبحت على حسابه وحساب حريته وكرامته.. بعبارة أخرى (لا كرامة لوطن مع سلب كرامة المواطن ولا كرامة لمواطن مع سلب كرامة وسيادة الوطن). مع الأسف هذه المعادلة غابت عن أذهان العديد من القائمين والعاملين على إدارة الدولة، فلقد غيبوا أي معارضة حقيقية لتلعب دور صمام الأمان في حماية الدولة والوطن وهذا الأمر ينطبق ليس على سورية فقط وإنما على بقية الدول العربية المعنية بالمواجهة مع “إسرائيل”. كالعراق ومصر وليبيا والجزائر واليمن بحسب مواقفها المعادية “لإسرائيل “….وأكرر للأسف لم يتم احتواء الغضب الشعبي بشكل حكيم ، ولم يتم مراجعة الممارسات السلبية التي كانت سبباً للانقسامات وللفرز الطائفي لاحقاً، والتي أثرت سلباً على تماسك الشعب تجاه القضية المركزية وتجاه اسرائيل وتجاه محور المقاومة، فالحلول الأمنية والعسكرية من جهة وحمل السلاح من أطراف طائفية من جهة أخرى عقدت المشهد السوري وأدخله المجهول وفتح المجال لتدخل دول عديدة في الصراع السوري الذي تحول من صراع سلمي لصراع مسلح خارج عن الانضباط تقوده أطراف خارجية لا ناقة للشعب السوري فيه ولا جمل ، من هنا يمكننا القول بأن الشعب السوري فقد قراره مع بداية الصراع المسلح.. فللعودة لسؤالكم ماذا حقق الشعب السوري بعد ثماني سنوات؟ يمكننا القول لا يمكن أن نحمل المسؤولية للشعب السوري الفاقد لقراره منذ بداية الأزمة. فالعوامل الخارجية دخلت بقوة في الصراع الأساسي الذي كان يتمحور حول التغيير الديمقراطي السلمي وتم تحييده عن مساره ولمشاريع متضاربة لا تخدم مصلحة الشعب السوري على اختلاف أطيافه والتي خلقت انقسامات داخل المجتمع السوري حسب تلك المشاريع والأجندات وزادته تعقيداً مع خلق انقسامات جغرافية حسب مواقع النفوذ اليوم كشرق الفرات بالتواجد الأمريكي وميليشيات قسد وإدلب بالتواجد التركي والمليشيات الإسلامية من هيئة تحرير الشام الوهابية “النصرة سابقا” لمجموعات متعددة كدرع الفرات وغيرها تحت السيطرة التركية ومواقع النظام بالتواجد الروسي والإيراني وحزب الله والميليشيات الشيعية وغيرها.
– من هي الجهات التي استفادت من الأزمة والصراع في سوريا؟
الجواب البديهي والذي يرد إلى أذهاننا قولاً واحداً: “الكيان الصهيوني” وحليفتها الولايات المتحدة بلا منازع، فلقد تم إضعاف سورية اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً وستحتاج لسنوات عديدة لتخرج من محنتها…. وأي عملية إعمار لاحقا ستضع سورية تحت رحمة الدول المانحة وتحت رحمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وما يترتب على ذلك من ديون وفوائد التي ستربط القرار السوري لسنوات عديدة وتمس سيادته. اما بقية الدول فهي في حالة دفاع عن أمنها القومي من جهة بسبب تداخل القوى في هذا الصراع لكن بنفس الوقت تريد أن يكون لها دورا استراتيجيا هاما يضمن لها علاقات اقتصادية مميزة في مرحلة لاحقه مع نفوذ على المستوى الإقليمي والدولي لما تتمتع به المنطقة العربية من ثروات هائلة ومواقع استراتيجية هامة. في خضم هذه التغييرات الجذرية الجميع يريد أن يكون له دور في إعادة الاعمار لما يترتب على ذلك من ضخ للمليارات في سورية. فعلى سبيل المثال تركيا التي تملك حدود بطول 900 كم مع سورية أضف الى استقبالها ل3,5 مليون لاجئ سوري منذ بداية الازمه والذين بمعظمهم تعلموا اللغة التركية وربما حصلوا على الجنسية التركية أضف إلى فتح ألاف الشركات التجارية والتي ستكون صلة الوصل مع الاقتصاد التركي لاحقا شئنا أم أبينا وعلينا أن لا ننسى بأن تركيا تمتلك أضخم شركات البناء في منطقة الشرق الأوسط… فتركيا لن تتخلى عن هذه الأوراق بسهولة لذلك كان انخراطها كبيرا في سورية سياسيا وعسكريا فلقد دخلت في اتفاقيات “استانا ” و”سوتشي” واخيراً ضمن اللجنة الدستورية عبر المعارضين المرتبطين بها والذين يشكلون ثلث هذه اللجنة. وعسكريا لنسف أي مشروع فدرالي كردي على حدودها الجنوبية.
اما بالنسبة لإيران فسورية أيضا ورقة ضغط كبيرة على “إسرائيل” وحليفتها الولايات المتحدة فتواجدها ينقل المعركة الى حدود الأراضي المحتلة ويعرقل أي عملية عسكرية ضد إيران في أي مرحلة من الصراع القائم حول البرنامج النووي الايراني والذي ترفضه “اسرائيل” بكل قواها وترفضه الولايات المتحدة لما يعطي لإيران دوراً إقليميا يهدد مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين على الصعيد الجيو-استراتيجي وعلى الصعيد السياسي والاقتصادي بما يتعلق بمصادر الطاقة.
أما بالنسبة لروسيا فسورية نقطة انطلاق لتواجدها في منطقة الشرق الاوسط والتي تعطيها ورقة ضغط كبيرة تجعل منها اللاعب الأساسي وتستعيد من خلالها دور الاتحاد السوفيتي سابقا كقوة عظمى لا يمكن تجاوزها في أي قرارات لاحقة أو احتمالات الحل في سورية خاصة او في المنطقة عامة وأنها تتعامل مع جميع المحاور في المنطقة بحنكة ودبلوماسية عالية تارة باستعمال القوة وتارة بالمفاوضات والاتفاقيات الجانبية لتحافظ على دور الوسيط بلا منازع ..أضف الى أنها تضمن وجودها القوي في المشاريع الضخمة كبيع الأسلحة او الاعمار اللاحقة في المنطقة بشكل عام وفي سورية بشكل خاص بعدما ضمنت تواجدها العسكري الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط عبر ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية.
تبقى التدخلات العربية السعودية –الاماراتية لتوازن التواجد التركي في سورية عبر البحث عن تواجد لها في شرق الفرات من خلال دعم تواجد القوات الامريكية ودعم قسد. ولم تكن دعوة ممثلين عن الإدارة الذاتية لمؤتمر “الرياض 3” وإشراكهم إلا تتويج لهذا التدخل.
يبقى التدخل الأمريكي والأوروبي المتمثل بفرنسا والمانيا. فالتدخل الامريكي له مآرب تتعلق أساسا بأمن اسرائيل وتتعلق بتدفق أموال السعودية والإمارات لتمويل حملتها في سورية وأداة للضغط على التواجد الإيراني في سورية وأداة ضغط على تركيا التي تتباعد بمشاريعها عن حلف شمال الأطلسي وأداة ضغط على أي مشروع سياسي لاحق في سورية. اما بالنسبة لفرنسا والمانيا فهما ترفضان اي معارك في ادلب يكون نتيجتها تدفق هائل للاجئين الى اراضيها أو المقاتلين المتخفين بين اللاجئين. أضف الى ان الاسرى الدواعش بيد قسد شرق الفرات من حملة الجنسية الفرنسية والالمانية يشكلون عبئا كبيرا تريد حله في الاراضي السورية والعراقية وليس على أراضيها.
يتبع غداً …
حاوره: فادي حسن